إنّهم يستهدفون سورية من جديد
ادريس هاني:
هكذا خرجنا من معارك الشّرف إلى معارك الخيانة، ينتصب إرهابي طاجيكي ليتحدّث عن تحرير سورية والدفاع عن الشعب السوري ويصف الجيش العربي السوري بـ«الميليشيا»، وسيتوجّه الإعلام الوظيفي ويهوّل من الحدث، وكل شيء سيتغيّر: سورية تُستهدف مرة أخرى من خصومها التقليديين أنفسهم، وسيتجنّد الإعلام الوظيفي لموجة أخرى من التشنيع.. إنّهم عملاء مدججون بأدوات التخريب وبعضلات كرتونية، ولكنهم يحملون ملامح الجبن في تهوّرهم، ذُهان الخيانة، حركاتهم تدلّ على حماقتهم، هل يا ترى يمكن أن يؤمّن لي «الجولاني» أو القزم الطاجيكي طريقاً إلى مغاراتهم لمبارزتهم في حلبة منازلة حرّة وجهاً لوجه، وكلّ الضربات ممكنة؟ أتكلم جدّيّاً.. إذاً دعوا الشعب السوري يستعيد عافيته، دعوا سورية تنعم بسيادتها، ما لكم تبّت أيديكم.
هذا الاستهداف غير معزول عن سياقه الجيوبوليتيكي، غير معزول أيضاً عن الدوافع والخطط الأولى التي استهدفت هذا البلد العربي الآمن، فما زالوا يلوون ذراعه في عدوان دولي لعب فيه الاحتلال الصهيوني دوراً كبيراً في احتضان ما سمّي زيفاً المعارضة أو الثورة، ولقد نبّهنا منذ بدء الأزمة بأنّ سطواً كبيراً على المفاهيم كفيل بأن يجعل من الخيانة ثورة ومن العدوان تحريراً، في الحرب يلعب التوقيت دوراً مهماً، وهو مؤشر أساسي إلى فهم دوافع واتجاه العدوان، فما أن ينهي النتن تهديده لسورية حتى ينطلق الإرهاب على طريق حلب بترسانة نوعية، كنا نعتقد أن هذه الوجوه اختفت، لأنّنا لم نسمع لها ذكراً طوال أكثر من عام على العدوان على غزّة، لقد دفنت رأسها في الرّمال، وها هي عصابات الإرهاب تمزّق العلم الفلسطيني وتبدأ بعملية تنفيذ وعد النتن لسورية.
تدفق السلاح النوعي بما فيه المسيّرات من الحدود التركية، وتحطّمت كل الأساطير التي نُسجت حول مهرجانات التضامن مع غزة، لأنّ الذي يسلّح الإرهاب في سورية هو نفسه من عجز عن إسناد غزة، هل سيستمرّ الضحك على الذقون؟
تتهيّأ القوى الظلامية مجدداً لإطلاق موجة التشنيع والإسناد المادي والمعنوي للإرهاب في سورية، ولأنّهم جبناء جدّاً، سيسمون هذا العدوان بمسميات الثورة والمعارضة، سيعودون إلى أكياس زبالة المفاهيم ليسترجعوا أدوات الخداع الذي كشفت عنه الأحداث.
تكاملت أدوار الاحتلال مع الإرهابيين ومن يدعمهم، إنهم يسعون إلى تقسيم سورية، والأمر أبعد من مسألة موقف من نظام يستند إلى عقيدة «القاعدة»، فمن الطبيعي أن تزعجهم سورية، لأنّها لم تركع على الرغم من كل التهديدات، ومن الطبيعي أيضاً أن يزعجهم الرئيس الأسد، لأنّه قطع دابر الإرهاب وقاد معركة الصمود في وجه العملاء، سيكون من المفارقة أنّ «جيش الجولاني» وبقايا الدواعش يتحدّثون عن الشعب السوري، كما لو أنّ الشعب السوري فوّض إليهم تمثيله والناطق الرسمي باسمه، كما ينعتون الجيش العربي السوري بالميليشيا بكل وقاحة، ونسمع في وسائل الإعلام العميلة حديثاً استعجالياً عن سقوط سورية، خطاب سمعناه منذ 13 عاماً من التخريب الجبان لسورية، لقد استعاد الغوغاء حلماً تمزّق بفضل صمود سورية، لكن التنسيق بين الاحتلال والمسلحين في سورية ظلّ على قدم وساق.. إنّ التطور النوعي في نوعية التسلح لدى الجماعات الإرهابية سيكون نقمة عليهم، على الرغم من أنّ الهدف هو تشتيت قوى الإسناد وتمكين الاحتلال من الانفراد بغزة، ستمحق كل هذه الجماعات الإرهابية الجبانة التي تستقوي بالاحتلال الصهيوني والتحالف الغربي، فأسيادهم يدركون أنّ سورية ليست لقمة سائغة، غير أن هدفهم هو إشغال سورية وخلط الأوراق والاستفراد بغزّة.
مشكلتهم مع سورية هي أبعد من كل الشعارات التي رُفعت، ومازالت ترفع، من مصاصي الدماء من أذرع الاحتلال في سورية، مشكلتهم مع الرئيس الأسد، لأنّه تصدّى لمخطط كان يُراد له أن يكون منطلقاً لشرق أوسط جديد بشروط صهيونية، يزعجهم لأنّه كافح مخططاً امبريالياً كان فيه المسلحون مجرد بيادق في رقعة شطرنج، هذا الحقد الذي لم تردعه كل هذه التّضحيات في إسناد غزّة، هو حقد أبديٌّ لا دواء له.. إنّ الغدر هو منهج أصيل لدى من تربّصوا بسورية ثم نافقوها حينما فشل المسلحون عن تحقيق أهدافهم، حقد له مؤشّراته التي لا تُخطئها أعين المحلل الحصيف والمراقب الدقيق لمجريات الأحداث.. كانت سورية من تحت الرماد تمدّ يدها لغزّة، لكن قيام الجماعات الإرهابية مُكّن اليوم من استئناف نشاطها، ولن يكون هناك من مستفيد من ذلك سوى الاحتلال.
ما المطلوب من سورية اليوم؟
إنّ سورية ضمن هذا المحور هي أكثر ذكاء وحدساً في معرفة خصومها بمختلف إيقاعاتهم و«لوذانيتهم»، فلقد اكتوت بنار النّفاق والغدر مراراً، ولكن من باب التّأكيد، هو تصعيد الحذر ممن «لو كانوا معكم لما زادوكم إلاّ خبالاً».. لن ترضى عنكم فلول الظّلامية وأعوانها مهما فتحتم الأحضان، فالعبيد تتمسكن حتى تتمكّن، وآية الحقد أن يعانق الظلاميون الاحتلال للفتك بسورية.. إنّ العبيد ضعفاء مهما زعقوا، فالسند الحقيقي هو الشعب ومن لهم مصلحة ومبدئية حقيقية في الإسناد.
الآن الاختبار واضح، فإمّا أن تكون مع سورية أو مع الإرهابيين، لا مجال للصمت، فالجميع مطالب ببيانات ومواقف احتجاجية، الصمت مُمالأة، ومن كان ينتظر من غلب ويستمتع بالتّل متفرِّجاً على سير الأحداث، فهو جزء من المؤامرة.
على محور الممانعة أن يضاعف إسناده لسورية، وإنّها لمعركة واحدة، ويشاء تاريخ الكفاح الوطني أن يُذكّر العالم بأنّ المعركة مع سورية كانت بالنسبة للاحتلال معركة استراتيجية ممتدة.. إنّ الاحتلال وحده يدرك أنّ الرئيس الأسد هو الشوكة التي استقرت في حلقه، والقذى الذي انحشر في عينيه، الذين يعادون الأسد لا يمكن أن يكونوا جزءاً من تاريخ الكفاح التحرري.. لن يكونوا مهما حاولوا التّلبّس بما ليس شأناً لهم، وربّ الكعبة لن يكونوا مقاومين.
على سورية وقوى الإسناد أن تمحق الإرهاب ولا تتردّد ولا تُؤجِّل ولا تُتكتك سياسياً مع هذا المحق، لا رادع للإرهاب إلاّ المواجهة الشّاملة.
على الشعب السوري أن يدرك أنّه معنيّ بهذه المواجهة، فالمؤامرة تستهدف تمزيقه وليس ثمة من بديل عن هذا المخطط، ولن يكون الإرهاب والاحتلال في صفّه مهما طال خداعه.
سيدرك الروس وكل حلفاء سورية أنّ ترك سورية لهذه المؤامرة سيكون حتماً تهديداً استراتيجياً لأمنهم القومي، فإسناد سورية خيار استراتيجي وليس منّة خيرية.
سيخسر الإرهاب جولته، ولن يحميه أسياده حين يقضّ الأحرار المقاومون مضجعه.. إنّ الإرهاب بطبيعته جبان، وأسياده جبناء يختبئون خلف صراصير آسيا الوسطى، اليوم تبّاً لكم، وغداً ستُحملون «فطايس» إلى جحوركم.. إنّها حرب أكبر منكم ومن آبائكم.