مدير منظمة بحثية كبرى يحذر من مخاطر ستطول الأمن الزراعي.. مطلوب تقانات مبتكرة ومشروعات للتكيف
تشرين- منال الشرع:
أصبحت التغيرات المناخية أمراً واقعاً في كل دول العالم، بما فيها سورية، نتيجة النشاطات البشرية والصناعية بالدرجة الأولى والزراعة المكثفة والزيادات السكانية العالية وازدياد معدلات الاستهلاك، التي أدت إلى قلة الأمطار شتاء وارتفاع درجات الحرارة صيفاً في سورية، ما يؤثر في نمو مختلف أنواع المحاصيل وخفض معدلات إنتاج الرئيسة منها ذات العلاقة المباشرة بالأمن الغذائي، وأهمها القمح والشعير والبقوليات والزيتون.
تقانات زراعية مبتكرة
ولمواجهة هذا الأمر على المدى الطويل، وانطلاقاً من أن القمح هو ركيزة الأمن الغذائي في سورية كباقي دول العالم، يسعى المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة “أكساد” حسب ما أكد مديره الدكتور نصر الدين العبيد، إلى التصدي لهذه الظاهرة من خلال إيجاد تقانات زراعية مبتكرة وتطبيقها على أرض الواقع، أهمها استنباط 87 صنفاً من القمح والشعير المعتمدة في الدول العربية عالية الإنتاجية ومتحملة للجفاف وقلة المطر ومقاومة للحرارة العالية والأمراض الفطرية، ولاسيما الصدأ الأصفر.
استنباط 87 صنفاً من القمح والشعير المعتمدة في الدول العربية عالية الإنتاجية ومتحملة للجفاف وقلة المطر ومقاومة للحرارة العالية والأمراض الفطرية
الزراعة الحافظة
ويؤكد د.العبيد لـ”تشرين” أن الوقائع والتجارب والإحصائيات أثبتت أن زراعة هذه الأصناف في سورية أدت إلى رفع مردود وحدة المساحة والإنتاج العام للقمح في سورية، ويمكن القول: إن أكثر من نصف مساحات القمح مزروعة بأصناف قمح “أكساد”، واستطاع المزارعون الذين يقدمون الخدمات الزراعية اللازمة، بما في ذلك الري، أن يحققوا إنتاجيات عالية وصلت إلى 8- 10 أطنان/هكتار في مختلف المحافظات السورية، وهذا رقم قياسي في عالم القمح، إضافة إلى إسهام صنف القمح القاسي “أكساد 65” الذي تجاوزت شهرته مختلف الدول العربية، ونعده في سورية (أبو الأقماح) بدعم إنتاج القمح في سورية خلال السنوات الماضية، في وقت لم تكن لدى سورية أصناف قمح يمكن الاعتماد عليها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح. وبناء على أداء أصناف أكساد الجيد في سورية، وخاصة صنف القمح القاسي أكساد “1105 ” المقاوم للجفاف والمواصفات النوعية العالية لـ”أكساد 1133 ” ذي الإنتاجية العالية طلبت العديد من الدول العربية من ” أكساد” كميات كبيرة من البذار لزراعتها، منوهاً إلى أن “أكساد” طور طرقاً مبتكرة لزراعة المحاصيل، تحفظ خصوبة التربة وتزيد من محتواها من الرطوبة وتخفض من تكاليف الإنتاج، ويطلق على هذا الأسلوب الحديث المناسب للتغيرات المناخية اسم «الزراعة الحافظة».
تتطلب دراسة متأنية
تلعب عناصر المناخ والظروف البيئية دوراً حاسماً في انتشار وتوزع زراعة أنواع المحاصيل والأشجار المثمرة، وكثرت الآراء والأقاويل في السنوات القليلة الماضية حول زراعة أشجار المناطق الاستوائية الدافئة في سورية.
عن ذلك، بيّن د. العبيد أن الظروف المناخية في الموطن الأصلي لهذه الأشجار تتقارب مع الظروف المناخية في المنطقة الساحلية، وخاصة من ناحية الحرارة المرتفعة نسبياً في الشتاء والرطوبة الجوية العالية والسطوع الشمسي وطول النهار، وترافق ذلك مع اهتمام كبير من مزارعي الشريط الساحلي القريب من البحر بهذه الزراعات وتبادل المعلومات والخبرات فيما بينهم، علماً أن زراعة الفواكه الاستوائية دخلت إلى سورية للمرة الأولى عام 2010 في وقت كانت فيه زراعة الحمضيات تواجه صعوبات في التسويق إلى الخارج، وانخفاض أسعارها داخلياً، ما انعكس سلباً على المزارع في الساحل السوري الذي يعاني أصلاً من غلاء أسعار مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومبيدات ومحروقات، فقام بعض المزارعين بقلع عدد من أشجار الحمضيات من بساتينهم لاختبار مدى تأقلم هذه الزراعات الوافدة من المناطق الاستوائية ونجاح زراعتها نظراً لمردودها الاقتصادي المتوقع.
وأشار إلى أن هذه الزراعة مازالت في بداياتها، فبالرغم من مردودها الاقتصادي المجزي حالياً وتوفر الأسواق الخارجية لمنتجاتها، وتبنّي زراعتها من العديد من مزارعي الشريط الساحلي القريب من البحر، لكن قد تصطدم بمخاطر التغيرات المناخية وتقلبات الطقس وهبوط الحرارة، وحتى حدوث الصقيع في بعض السنوات قد يؤدي إلى خسائر كبيرة لمزارعي هذه الأشجار المثمرة الاستوائية التي لا تتحمل درجات الحرارة المنخفضة، إلا أن الأمر يتطلب دراسة متأنية بمختلف جوانبه قبل التوسع وتشجيع هذا النوع من الزراعة، لاسيما أن الحمضيات والزيتون والتين هي المحاصيل التقليدية الرئيسة، وهي من مكونات الأمن الغذائي في سورية.
الزراعات الاستوائية قد تصطدم بمخاطر التغيرات المناخية وتقلبات الطقس وهبوط الحرارة.. وحتى حدوث الصقيع في بعض السنوات قد يؤدي إلى خسائر كبيرة للمزارع
وعن التغيرات المناخية وإدارة المياه، أوضح العبيد أن من أهم المسائل التي يسعى إليها “أكساد” هو التصدي للتغيرات المناخية، حيث أعطاها خلال السنوات العشر الماضية أولوية متقدمة بهدف التكيف مع آثارها، فنفذ العديد من المشروعات والدراسات في هذا المجال، أهمها مشروع دراسة التغيرات المناخية في المنطقة العربية وآثارها على الموارد المائية (ريكار) الذي أنجزه المركز بالتعاون مع منظمة «إسكوا» ومنظمات دولية أخرى، حيث تم من خلال هذا المشروع تحديد التغيرات المناخية المتوقعة على درجات الحرارة والهطلات المطرية في كامل المنطقة العربية، وذلك وفق سيناريوهات مناخية مختلفة، شملت الفترة الممتدة حتى نهاية القرن الحالي.
التكيف مع آثار تغير المناخ
كما قام المركز بتنفيذ العديد من المشروعات والدراسات بشأن التكيف مع آثار تغير المناخ في قطاعي الزراعة والمياه، وتنفيذ مشروعات، ففي سورية نفذ 6 بحيرات جبلية في حوض الساحل، ساهمت في زيادة إنتاجية المحاصيل والخضار بنسبة 400% لدى المزارعين، ومشروعين في منطقة سلمية وتل الدرة، وتنفيذ مشروعات حصاد المياه وتطوير طرق الري الحديث وإنشاء خزانات المياه، وخاصة في القرى التي تعاني من العطش صيفاً في الجبال الساحلية، والعمل جارٍ على تنفيذ المزيد منها في سورية وتأمين التمويل اللازم لها، وقد كان لهذه أثر إيجابي من حيث توفير المياه في أوقات الجفاف لأغراض الشرب وسقاية الماشية والري التكميلي.
تنمية مستدامة
في الثروة الحيوانية يسعى مركز أكساد إلى تحقيق تنمية مستدامة من خلال نشر التقانات العلمية الحديثة
وفيما يتعلق بالثروة الحيوانية، بيّن العبيد أن “أكساد” يسعى من خلال رؤيته في مجال الثروة الحيوانية إلى تحقيق تنمية مستدامة من خلال نشر التقانات العلمية الحديثة، لاسيما تقانة التلقيح الاصطناعي ونقل الأجنة في الوطن العربي لتحسين قطعان الأغنام المحلية لديها من الناحية الإنتاجية، حيث تم إطلاق مشروع التلقيح الاصطناعي ونقل الأجنة بهدف تسريع نشر التراكيب الوراثية المتميزة للحيوانات ذات القيمة الوراثية العالية من أغنام العواس المحسنة السورية في جمهورية مصر العربية، وتطوير طرائق توجيه التناسل من خلال تطبيق التقانات اللازمة بالاستفادة من عامل الوقت لتسرع نشر المؤشرات الوراثية المميزة والمتمثلة بإنتاج الحليب ومعدل التوائم والقضاء على الأمراض التي يمكن أن تنتقل عن طريق الذكر، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية وتقليل تكلفة الإنتاج العالية المتمثلة بتربية واستخدام ذكور التلقيح والإناث والاستعاضة عنها باستخدام «قشات» التلقيح الاصطناعي والأجنة المجمدة.