الريافة «الرتي» مهنة انتشرت في المدن السورية منذ القدم

تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:

في دمشق وحلب وحمص بدأت مهنة «ريافة الملابس» أو ما يعرف بالعامية «الرتي» كسائر ‏المهن الأخرى، لكنها لم تتأثر بدخول المكننة، فقد ظلت وحدها يدوية لا تتجاوز الإبرة الدقيقة، ‏ومادتها الأولية كمية من بقايا أقمشة البدلات التي يحصل عليها «الرواف» من خياطي ‏الملابس ثم المقص.‏
وريافة الملابس مهنة قديمة عرفها السوريون عن أجدادهم، وقد كانت الحاجة إليها ماسة ‏وملحة يوم كانت البيوت السورية تعيش الحاجة إلى ماكينات خياطة، ومع أن الإنسان الذي ‏يحترف مهنة الريافة لا يحتاج إلى رأسمال كبير، لأنه يكتفي بدكان صغير وكرسي يجلس عليه ‏ثم أدواته القليلة والرخيصة، إلا أنه يحتاج إلى ما هو أثمن من كل ذلك «الدقة والصبر ‏الطويل» حتى يستطيع القيام بعمله على الوجه الأكمل، وقد اشتهر بعض الروافين في دمشق ‏وحلب وحمص بأنهم يروفون الشق الكبير الذي تصاب به البذلة أو الطقم أو الدشداشة أو أي ‏ملبس يتعرض للشق أو جراء «نشلة» لا يمكن إصلاحها بماكينة الخياطة، فيعيدونها إلى ما ‏هو أقرب إلى ما كانت عليه البذلة قبل أن تعطب، وقد اعتمد أغلب الناس المحتاجين والموظفين ‏المعوزين في إصلاح ملابسهم القديمة على (الرواف)، فنحن نرى هذه الطبقات كثيراً ما تجلس ‏في دكاكين الروافين وكل واحد يحمل مجموعة من ملابس العائلة لإعادتها صالحة للبس، فقد ‏تعوضهم بذلك عن شراء الملابس الجديدة والغالية الثمن.‏
وقد انتشرت هذه المهنة في بقية المدن السورية، لكن عدد ممارسيها قليل لدخول ماكينة الخياطة ‏وتطورها، إلى جانب ذلك أصبحت (مهنة الريافة) عالمية، لكنها لا تكون إلا في المدن ‏الكبيرة، إذ لا يمكن أن يحصل (الرواف) على مورد كاف في المدن الصغيرة، ونستطيع أن ‏نشعر بوجود (الروافين) حتى في أوروبا، عندما تشتري بذلة جاهزة فتجد في أحد جيوب ‏السترة قطعة صغيرة من قماش البذلة ذاتها مع زرين من أزرارها أحدهما صغير والآخر ‏كبير، وذلك من أجل تسهيل مهمة (الرواف) حتى لا يضطر لريافة (الشق) أو الثقب في ‏البذلة من جراء شرارة من سيجارة أو اعتداء من حيوان قارض أو حشرة.‏
ويذكر المؤرخون أن في بغداد منذ العهد العباسي كانت عوائل عديدة تمارس هذه المهنة ‌‏(الريافة)، فهناك شارع في بغداد (الكرخ) يسمى (شارع الرواف)، إضافة إلى سوق (الروافين)، ‏وكانت ملابس الخلفاء العباسيين ترسل إلى أمهر رواف في شارع الرشيد الذي يتفرع عنه ‏سوق الروافين.‏
وعلى كل حال فالريافة مهنة محترمة وهي قديمة قدم الملابس، إلا أنها لم تعد مثل مكانتها ‏الأولية السابقة في أيامنا هذه، لأن تحسن أوضاعنا المنزلية وانتشار استعمال المساحيق ضد ‏الحشرات القارضة وارتفاع مستويات الدخول العائلية، أدت كلها إلى أن الرواف لم يجد إلا ‏القلة من الزبائن، ومن هنا يأتي سبب قلة عددهم اليوم، إلا أننا سنظل بحاجة إليهم، وإلى مدى بعيد، ‏وستظل هذه المهنة يدوية ولن تكون آلية.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار