الصناعات الغذائية بوابة دعم الصادرات السورية.. صناعيون يعزون التراجع لضعف التشريعات ويُطالبون بدعم المنتَج السوري في الأسواق الخارجية
دمشق – بارعة جمعة:
عرضٌ وتحليلٌ للواقع الاقتصادي الراهن، في قراءة لعملية دعم الانتاج المحلي، القائم بشكل رئيس على قطاعي الزراعة والصناعة، ضمن أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومعطيات صحيحة ومتوازنة، هي خُلاصة النقاش مع صناعيين من الأرض، عُرفوا بتمسكهم بمُنشآتهم رغم صعوبات العمل، العائدة بشكل رئيس لصعوبة تأمين متطلباته التي باتت تعاني الكثير، ولأسباب لم تعد خافية على أحد، بل تم عرضها ومناقشتها بشكل مستمر دون الوصول لنتائج ملموسة على حد تعبير معظمهم، ليبقى السؤال اليوم.. هل ما يقدمه الصناعيون من مقترحات باتت صعبة للغاية؟! وهل تعديل التشريعات يسهم بالتخفيف من أعبائهم، التي لا زالت عالقة حتى بين سطور التعليمات التنفيذية لأي قرار؟!
ليس خدمياً
تأمين مستلزمات الإنتاج وتوظيف المادة الأولية بشكلها الصحيح، لتغدو سلعة قابلة للتصدير، كل ذلك يستلزم العمل والتفكير الجاد بتطوير القطاع الزراعي، الحلقة الأولى في سلسلة العمل، فالزراعة ليست حراثة الأرض بل مرتبطة بسلاسل تأمين المستلزمات والأسواق وفق تصريح رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد كشتو، الذي وضح في حديثه لـ”تشرين” مفهوم الزراعة بصفتها قطاعاً اقتصادياً متكاملاً.
كشتو: مسألة التعاطي مع القطاع الزراعي بوصفه خدمياً تضر بعملية التنمية الاقتصادية
لايزال صامداً حتى اليوم، وما يحتاجه متطلبات لتعزيزه عبر تشريعات وقرارات أكثر حضارة برأيه، وتحديد سياسات الدولة المتعلقة به، إلا أن الغريب اليوم أن يتم معاملة القطاع الزراعي على أنه خدمي اجتماعي، دون النظر لضرورة التشبيك بينه وبين الصناعة ضمن مبدأ المساواة والتكافؤ برأي كشتو، فهو بحاجة الدعم والتسويق.
قرارات وتشريعات
لا يختلف اثنان على ضرورة تطبيق مبدأ التشاركية بالعمل بين القطاعين العام والخاص، ولكن كيف!! .. وهل تتم ضمن البيئة التشريعية الحالية؟
تساؤلات مشروعة طرحها الصناعي مهند الخُجا رئيس لجنة المساحيق الغذائية بغرفة الصناعة ضمن حديثه مع “تشرين” أمام صعوبات وارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تستوجب تعاوناً جديّاً بين الحكومة والصناعيين والتشاركية بالقرار، الذي بات اليوم فُجائياً، إضافة لتقديم دعم لوجستي، بما يضمن التعاون بين الصناعي القوي والضعيف، عبر استقدام خامات أولية للأخير، بصفته غير قادر على تأمينها، وتخفيض الرسوم على المواد الداخلة، والسماح للصناعي بالخروج عبر الحدود بسياراته، تفادياً للوقوع تحت رحمة شركات الشحن التي أدت لإلغاء كافة العقود مع الشركات لارتفاع التكاليف.
كل ذلك سيسهم حتماً بدعم المنتج السوري في الخارج برأي الخجا، الذي بات يعاني صعوبة بالمنافسة في الأسواق الخارجية، هي سلسلة مرتبطة ببعضها البعض، ولا يمكن تجاهل أي مرحلة منها.
صناعيون: تكاليف الإنتاج وفقدان اليد العاملة إضافة للتشريعات تعرقل مسيرة التشاركية التي تتطلب الجدية من القطاع الحكومي
خطواتٌ من العمل إن تمت ستمنح قطاع الصناعة المرونة في التعاطي مع المتغيرات، التي بات دعم اليد العاملة جزءاً كبيراً منها، عبر الاحتفاظ بها من الخروج واستثمارها بالشكل الأمثل في ميادين العمل برأي الصناعي محمود خورشيد، الذي أكد افتقاد الصناعة للأيدي العاملة التي بقي منها البعض وهو يعاني ارتفاع تكلفة تصميم الآلات التي لا تختلف عن المستوردة بأي تفصيل سوى أن تكلفة استقدام موادها الأولية عالية، وبالتالي ارتفاع سعرها في الداخل، وإن تم اللجوء البدائل ستُضاعف التكلفة أكثر.. متسائلاً بالوقت ذاته.. كيف لنا أن ندعم التصدير ضمن هذه المعطيات؟؟
هي حالةٌ من العرقلة تواجه أي صناعي يرغب بالعمل، وسط وجود الكثير من المحترفين منهم، لكن بحاجة للدعم فقط.
تقديم التسهيلات
منطقة زراعية تنموية بكل أبعادها، إلا أنها تُعاني إهمالاً في قطاعها الزراعي، توصيفٌ قدمه رئيس منطقة الاستثمار الصناعي في محافظة القنيطرة للمحافظة، التي تحوي منطقةً صناعية هي “الحدث”، تشكو ضعف الدعم الذي تجسد بمُطالبات من درويش عبر حديثه مع “تشرين” لتوسيع مساحتها من 250 دونم إلى 1000 دونم، بما يُتيح العمل ضمنها لأكبر عدد من الصناعيين.
عملية الدخول لمحافظة القنيطرة معقدة للغاية، معاناة تواجه أبناء المحافظة.. فما هو حال الصناعيين إذاً؟! ممن يرغبون بالعودة إليها والاستثمار بما يؤمن فرص عمل للقاطنين ضمنها، كل ما سبق لن يتم بعيداً عن تغيير القوانين التي أدت لهجرة صناعيين وهو أمر واقع، أمام مشكلة باتت مزمنة تتعلق بالتراخيص الممنوحة للصناعيين المدن الصناعية قاطبةً (الحدث، عدرا، الشيخ نجار)، وهي عدم السماح لأي صناعي قام بشراء منطقة ووضع بها رأسمال سابقاً يختلف عن رأس المال اليوم، وفي حال السفر أو الوفاة لا يمكنه التنازل أو التشارك مع صناعي آخر قبل مُضي 15 عاماً، هي حالة تعكس عدم المرونة بالتشريعات برأي الصناعي محمد خير درويش، ما جعل نسبة الاستثمار في عدرا الصناعية 30% فقط.
الصناعي اليوم لا يحتاج قروضاً بقدر حاجته للدعم بتشريعات وتسهيلات، فما تقوم عليه آلية تمويل المستوردات ومواد الانتاج لا تزال ضمن العوائق برأيه، وهنا يُشير درويش إلى أن من يعمل على الأرض هو من يستحق النظر إليه، ولا يجوز التعامل معه كأي صناعي ليس له ملاءة تجارية أو صناعية، بل يتوجب المحافظة عليه، ويضيف رئيس منطقة الاستثمار الصناعي في محافظة القنيطرة مؤكداً ضرورة النظر لهذه المقترحات قائلاً: “إن لم تتعدل التشريعات فالوضع يتجه للأسوأ، كما أن التعديل يتطلب وجود لجان مشتركة وجريئة لإعادة الألق للزراعة والصناعة السورية، التي بات عمرها آلاف السنين، فاليوم لا يمكن لأحد أن يُعلّمنا التجارة أو الصناعة بقرارات قديمة يجب تحديثها”.
التشاركية والتشبيك
مقترحاتٌ مهمة والكثير من المُتطلبات سيتم النظر إليها، أبرزها تعديل المرسوم رقم 8 والبلاغ رقم 10 القاضي بالإسراع بتنظيم المناطق الصناعية للصناعة الزراعية، لاسيما التي خارج حدود المناطق الصناعية، تأكيداتٌ قدمها رئيس اتحاد غرف الصناعة غزوان المصري في حديثه مع “تشرين”، ضمن استراتيجية دعم الصادرات بصفتها رافداً حقيقياً للاقتصادين الزراعي والصناعي.
اتحاد غرف الصناعة قدم رؤيته حول موضوع التصدير، بتبسيط الإجراءات وزيادة الرافد للمركزي بما يعود بالنفع له وللصناعيين بتحريك عجلة الإنتاج الاقتصادي، رؤيةٌ أكدها المصري وسط الارتباط الوثيق بالقطاع الزراعي، فالكونسروة والبطاطا الطبيعية (الشيبسات) يتم تصديرها، أمام تسهيلات وتوصية اقتصادية حكومية بما يتعلق بالصناعات التصديرية، مطالباً السماح باستيراد البقوليات لتصنيعها وتصديرها وقد تمت الموافقة عليه على حد تعبيره.
المصري: دعم الزراعة وخاصة زيت الزيتون ضرورة لوجود عقود تصديرية له
مشاريع الزراعات التعاقدية مهمة برأي المصري، موضحاً في إجابته حول زراعة الشوندر السكري بأن ما يمتلكه القطاع العام هو معمل واحد، بينما هنالك معمل آخر بالتشاركية بينه وبين للقطاع الخاص في “مسكنة”، سيُشجع حتماً الصناعة الزراعية التي بتنا اليوم الأحوج لها، إضافة للزراعات عامة، وعلى وجه الخصوص زيت الزيتون، الذي يعد وفق رؤية رئيس اتحاد غرف الصناعة غزوان المصري أولوية لوجود عقود تصديرية له يجب الاستفادة منها، فالمطلوب اليوم دعم الزراعة قبل الصناعة.
تنظيم المدن الصناعية
العالم اليوم لا يسير بوضعه الصحيح اقتصادياً، فأزمة الغذاء عالمية بالتالي نحن جزء منها، توصيفٌ للمشهد قدمه خازن غرفة الصناعة جورج داوود عبر حديثه ل”تشرين” مؤكداً العمل ضمن سياسة التصنيع والتصدير، وهو ما يفرز مشاكلاً أبرزها تنظيم المدن الصناعية بجوار بعضها البعض وبنفس المنطقة الجغرافية، دون الخروج للمعامل منفردة بعيدة عن تجمع الانتاج، لمشاكل عدة أهمها حوامل الطاقة التي أفضت لارتفاع تكلفة المنتج السوري قياساً بالدول المجاورة.
داوود: تنظيم المدن الصناعية بجوار بعضها ضرورة لتفادي مشاكل أهمها حوامل الطاقة
الدعم مستمر للصناعيين كما أن هناك تجاوبٌ إيجابي من غرف الصناعة ووزارة الصناعة ضمن مخرجات حديثة في عام 2023 إثر قرارات مهمة وإيجابية تُعنى بتطوير الانتاج الصناعي حسب تأكيدات داوود.
التشريعات لا يمكن حلها دفعة واحدة، بل يتم التعامل مع كل حالة لوحدها، فلا يوجد تشريع عام وشامل يُعالج كافة المشاكل وفق رؤية خازن غرفة الصناعة جورج داوود، بل يتم طرح المشكلة ودراستها و90% منها يأتي بنتائج إيجابية، كان أبرز هذه الحالات السماح بالاستيراد والتصدير إلى السعودية وقرار نقل الآليات الصناعية المستعملة وإعادة ترميم المعامل وإعطاء التراخيص الصناعية وقرار إعادة الاستيراد بنفس قيمة التصدير لبعض المنتجات، والكثير من القرارات الإيجابية التي تم تعديلها، داعياً الجميع للنظر لنصف الكأس الملآن لا الفارغ.
لكل طرف دوره وفق تصريح داوود، ولا يمكن تحويل الفلاح لصناعي كما من الصعوبة بمكان ما السماح لصناعي العمل بمبدأ المُتاجرة، وهو ماضمنه القانون بعدم السماح لأي صناعي التنازل أو المشاركة باستثماره مع احد قبل مُضي 15 عاماً على شراء المنطقة، هو قرار صحيح وضروري برأي داوود، ولا يتعارض مع أي خطوات للنهوض بالصناعة المحلية التي هي في مرحلة النهوض مع ازدياد ملحوظ في عدد المعامل بين عامي 2016 و2023 ما يُثبت بأن المؤشر هو في تصاعد، إلى جانب اتباع سياسة ترشيد المستوردات وتأمين المُنشأة الصناعية بالقرب من مكان الزراعة لتوفير تكاليف ونفقات النقل.