مجاملة أم نفاق؟

في مجريات الحياة، لا تربطنا بكل من يحيط بنا علاقاتٌ غرامية تتسم بالانبهار والوله والرضا والتسامح والتشبيب بالحُسن والكمال، لذلك سلكنا الطريق إليهم بالكلمة الطيبة والعريكة اللينة وتعرّفنا إلى فن المجاملة الذي لا يسحب من رصيد الصدق والاتزان والقناعات الراسخة!
حين أقرأ الكتاب، أيّ كتاب، أُهرَع إلى مقدمته قبل أن أبدأ بصفحاته الأولى، لأن المقدمات تضع الكتب في سياقها، وتشرك القارئ في تخطي العتبات من دون تعثُّرٍ في تلمس الطريق إليها، فعبورها إلى الأبهاء الداخلية، ومن التوقعات الطبيعية أن يكون كاتبُ المقدمة عارفاً، أميناً، مطلعاً بدراية كاملة على مضمون الكتاب، إذ في هذا التكليف أو الخيار لا مكان للمجاملة التي تُغضي عن النواقص حتى لا تجرح المشاعر، فالكتاب ليس زيّاً من خارج العصر، قد أعجب صاحبه ومن باب اللياقة ألّا نسخر منه، وليس سقفاً مستعاراً، استُعير هو الآخر لغرفة جلوس وكأنه لقاعة عرض وبيع سيراميك لنجعل صاحب الغرفة يشعر أن ذوقه سقيم، هنا موضوعٌ آخر وشأن آخر يجعل من كاتب المقدمة مسؤولاً عن تقييم معدنٍ وعليه ألّا يصف “الصفيح” بالذهب وألّا يضيف على يابس العشب ماءً، لن يذهب هدراً فحسب بل سيجوس هو الآخر على أرض، نبتُها لا يسرُّ ناظراً ولا زائراً ولا متجوّلاً!
الرواية الأنثوية التي قرأتها بعد اشتياق بثّته المقدمةُ المكتوبة بيد روائيٍّ معروف، صدمتني في أسلوبها وأخطائها، وهي تنطلق كقطار سريع، لا يلتفت إلى المحطات التي يعبرها ولا يقف في استراحات، ولا ينتبه إلى من ترجّل ومن صعد ومن اختفى ولا ينهي حديثاً قد بدأ هنا ولا هناك، وكلُّ ما يخالف المألوف من العلاقات لا سبب له ولا سياق، بل حتى البُنية الفكرية التي تُعَدُّ من أهم دوافع السلوك، تبدو ملتبسة، وصاحبها يتأرجح بين عالمين شديديْ التناقض من دون حرج ومن دون ترميم، من واجب الروائية أن تلحظه!
في عالم الإبداع، عسيرٌ أن نتقبل “رشحُ” ماء الجدران الخارجية إلى داخله بهذه الخفة، كما هو عسير أن نرمي عليه ملاءة المجاملات التي يقال فيها أيضاً “دبلوماسية” في مجالات أخرى، بل حتى “التشجيع” هنا لا يستقيم، لأنه محمودٌ في “البدايات” وفي “المخطوطات” حين تكون “مسوّدات” خجلى، قبل أن تخرج إلى النور من مواهب تبحث عمّن يأخذ بيدها، أما مثل هذه “الارتكابات” التي لا محاكم لها، فليست إلّا نفاقاً يسيء إلى “الكاتب” و”المكتوب” عنه! نسميه نفاقاً حتى لا نقع أيضاً في المجاملات والدبلوماسية!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
الانتخابات الرئاسية الإيرانية تنطلق غداً في 59 ألف مركز وأكثر من 95 دولة في مؤتمرهم السنوي..صناعيو حمص يطالبون بإعادة دراسة أسعار حوامل الطاقة واستيراد باصات النقل الجماعي أربع وزارات تبحث عن تأمين بيئة محفزة وجاذبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة  في ورشة عمل تحديات العمل المؤسساتي في سورية وآفاقه المستقبلية… ورشة عمل حوارية بجامعة دمشق مجلس الشعب يوافق على عدد من طلبات منح إذن الملاحقة القضائية لعدد من أعضائه العاصمة التشيكية براغ تكرم الشاعر الجواهري بنصب تذكاري انخفاض سعر البندورة يفرح المستهلكين ويبكي المزارعين.. رئيس غرفة زراعة درعا: سبب رخصها توقف تصديرها ونطالب بإلزام معامل الكونسروة بعقودها واشنطن والغرف التي ستبقى مغلقة.. الكيان الإسرائيلي أقرب إلى «العصر الحجري» في أي مواجهة مع المقاومة اللبنانية وخطط «توريط الجميع» لن تنقذه من الهزيمة الحتمية استيفاؤه أصبح يتم من الشاري في المرحلة الأخيرة.. رئيس جمعية الصاغة: فرض 1% رسم إنفاق استهلاكي على الذهب موجود منذ 40 عاماً روسيا وإيران تستنكران محاولة الانقلاب العسكري في بوليفيا