في مجريات الحياة، لا تربطنا بكل من يحيط بنا علاقاتٌ غرامية تتسم بالانبهار والوله والرضا والتسامح والتشبيب بالحُسن والكمال، لذلك سلكنا الطريق إليهم بالكلمة الطيبة والعريكة اللينة وتعرّفنا إلى فن المجاملة الذي لا يسحب من رصيد الصدق والاتزان والقناعات الراسخة!
حين أقرأ الكتاب، أيّ كتاب، أُهرَع إلى مقدمته قبل أن أبدأ بصفحاته الأولى، لأن المقدمات تضع الكتب في سياقها، وتشرك القارئ في تخطي العتبات من دون تعثُّرٍ في تلمس الطريق إليها، فعبورها إلى الأبهاء الداخلية، ومن التوقعات الطبيعية أن يكون كاتبُ المقدمة عارفاً، أميناً، مطلعاً بدراية كاملة على مضمون الكتاب، إذ في هذا التكليف أو الخيار لا مكان للمجاملة التي تُغضي عن النواقص حتى لا تجرح المشاعر، فالكتاب ليس زيّاً من خارج العصر، قد أعجب صاحبه ومن باب اللياقة ألّا نسخر منه، وليس سقفاً مستعاراً، استُعير هو الآخر لغرفة جلوس وكأنه لقاعة عرض وبيع سيراميك لنجعل صاحب الغرفة يشعر أن ذوقه سقيم، هنا موضوعٌ آخر وشأن آخر يجعل من كاتب المقدمة مسؤولاً عن تقييم معدنٍ وعليه ألّا يصف “الصفيح” بالذهب وألّا يضيف على يابس العشب ماءً، لن يذهب هدراً فحسب بل سيجوس هو الآخر على أرض، نبتُها لا يسرُّ ناظراً ولا زائراً ولا متجوّلاً!
الرواية الأنثوية التي قرأتها بعد اشتياق بثّته المقدمةُ المكتوبة بيد روائيٍّ معروف، صدمتني في أسلوبها وأخطائها، وهي تنطلق كقطار سريع، لا يلتفت إلى المحطات التي يعبرها ولا يقف في استراحات، ولا ينتبه إلى من ترجّل ومن صعد ومن اختفى ولا ينهي حديثاً قد بدأ هنا ولا هناك، وكلُّ ما يخالف المألوف من العلاقات لا سبب له ولا سياق، بل حتى البُنية الفكرية التي تُعَدُّ من أهم دوافع السلوك، تبدو ملتبسة، وصاحبها يتأرجح بين عالمين شديديْ التناقض من دون حرج ومن دون ترميم، من واجب الروائية أن تلحظه!
في عالم الإبداع، عسيرٌ أن نتقبل “رشحُ” ماء الجدران الخارجية إلى داخله بهذه الخفة، كما هو عسير أن نرمي عليه ملاءة المجاملات التي يقال فيها أيضاً “دبلوماسية” في مجالات أخرى، بل حتى “التشجيع” هنا لا يستقيم، لأنه محمودٌ في “البدايات” وفي “المخطوطات” حين تكون “مسوّدات” خجلى، قبل أن تخرج إلى النور من مواهب تبحث عمّن يأخذ بيدها، أما مثل هذه “الارتكابات” التي لا محاكم لها، فليست إلّا نفاقاً يسيء إلى “الكاتب” و”المكتوب” عنه! نسميه نفاقاً حتى لا نقع أيضاً في المجاملات والدبلوماسية!
نهلة سوسو
123 المشاركات