سورية تعاود إنعاش «شمولها المالي الرقمي».. مؤتمر شبه إقليمي في دمشق قريباً

تشرين –  خاص:

بات الشمول المالي الرقمي، خياراً إنقاذياً في سياق التماهي مع متطلبات ديناميكية سوق ومجتمع واقتصاد في عالم يوصف بـ”القرية الصغيرة”.
اليوم تلج سورية تطبيقات هذا المفهوم بكثير من الدأب ومحاولة التوطين السريع –لا المتسرّع– لمستلزماته وكذلك أدبياته، من منطلق إدراك حتمية التوجه في هذا الاتجاه على الرغم من أنه ليس بالاتجاه الجديد عالمياً، لكننا قد نكون في سورية تأخرنا بعض الشيء لأسباب يمكن وصفها بـ “القاهرة”.
فوفقاً للخبير التقني المتخصص ورئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي للتجارة الإلكترونية الدكتور محمد فرعون، في حديثه لـ”تشرين”، الشمول المالي ليس جديداً إذ كانت نسخته الأولى هندية في عام 1999 ضمن مجموعة العشرين التي هي عبارة عن مجموعة من الدول اشتركت بصياغة التعاون المالي وتعزيزه بينها، وفي كل عام تجتمع برئاسة دولة وتصدر مخرجات معينة لها علاقة بالخدمات المالية والمصرفية والاقتصادية للدول الأعضاء. هذه المخرجات/التوصيات تعتمد على بيانات وتجارب وبالتالي هي مهمة لجميع الدول.

ديناميكيّة
إذاً الهند كانت أول دولة حققت الشمول المالي وفرضته كبنك مركزي وكانت التجربة ناجحة جداً لأن الشمول المالي يقودنا بالنهاية إلى ما يسمى الصحة المالية بفعل ما حققته من فائض مدخرات في البنوك، وبالتالي يصبح لدى هذه البنوك برامج ولاء تطلقها، وطريقة سلسة لمنح القروض، لأن البنك كما هو معروف، ربحيته من المشاريع التي ينفذها.
ومن خلال الشمول المالي تكبر هذه المشاريع وتتوسع فيصل المواطن في مرحلة أولى إلى الصحة المالية. طبعاً هذا يكون على مراحل ويحتاج وقتاً. البنوك من مصلحتها أن تجذب المواطنين لأن هذا يوفر لها فائض مدخرات/سيولة، فتتضاعف الحسابات وتكبر وتتوسع، وبالتالي يكبر البنك بالبورصة بالأسهم..الخ.

تجربة سورية متقدمة
ويؤكد د.فرعون أن هذه الصحة المالية كنا كسوريين نعيشها بالـ2010. كان أي موظف حكومي أو قطاع خاص يكفي أن يأخذ ورقة من مديره مختومة وممهورة، ويتوجه إلى البنك ويحصل على القرض الذي يريده.
إذاً الشمول المالي ليس مفهوماً ناشئاً والدول اعتمدته منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكن وفق طبيعة كل مجتمع. اليوم هناك توجه إعلامي وتمكين رقمي بالنسبة للمواطن عن طريق وزارة الإعلام أو الهيئات المرتبطة بها لتفهيم المواطن وإعلامه بأن الشمول الرقمي ضرورة وأمر حتمي وليس رفاهية.

أسرع من الشمول المالي
اليوم سمح لفيسبوك أن يكون له محفظة، وكذلك آبل. سمح أن يكون لها منصة إلكترونية… ويضيف د.فرعون: أنا أتوقع خلال المرحلة المقبلة أن الجيل القادم لن يفتح أول حساب له في بنك. فقد تغيرت هذه الأقطاب والمفاهيم حكماً. اليوم القطاع المصرفي الجديد ليس قطاعاً بنكياً حصرياً، لأننا متجهون نحن الـ«فنتك» والذي هو أسرع من الشمول المالي. أنا مثلاً أستطيع أن أشتري منتجاً لأي مكان (لدبي مثلاً) هذا شمول مالي غير مرتبط ببنك. لكن في سورية غير مسموح بمحافظ إلكترونية. عندما تذهب إلى البنك المركزي وتطلب محفظة إلكترونية يقولون: ليس لدينا ترخيص، وهذا أمر غير مفهوم.
نحن شئنا أم أبينا متجهون نحو الشمول المالي الرقمي المرتبط وغير المرتبط بالبنوك. علماً أنني عملياً لست بمناصر للتحول الرقمي المطلق لما له من مخاطر عالية على كل المستويات، وفي مقدمها الأمن القومي. أنا مع التجربة الصينية بالمطلق. في الصين لديهم جدار سيبراني اسمه الجدار السيبراني الصيني العظيم استطاعوا إنجازه من دون أن «يضوج» عليهم المجتمع أو أن يصبح متخلفاً تقنياً. في الصين لا يوجد «يوتيوب» أو «واتساب» أو «غوغل» أو «اوبر» ولكن هناك بدائل. في الصين لديهم تطبيق واحد اسمه «وي تشات» وعن طريقه يتم دفع كل شيء وهو غير متصل (أي انترانت) أي أنهم أغلقوا البلد وحفظوا بيانات 2 مليار مواطن، وهي عملية أربكت أميركا. إيران أيضاً لديها الأمر نفسه.
إذاً، أعطني البدائل ولكن بالـ«كواليتي» نفسها والمنافع نفسها، ثم بالإمكان إغلاق هذه المنصات، فيسبوك وغوغل وغيرها.
الصين حمت بياناتها ثم أطلقت الـ«تيك توك» ونشرته عالمياً، لماذا؟.. لتجمع بيانات، هي مؤمنة أن البيانات هي نفط العالم المقبل، اليوم وصلت الصين إلى مرحلة اليوان الرقمي. اليوم أنا في سورية افتح «فيسبوك» ولكن ممنوع علي أن أستعمل تقنياته، لماذا، لأنه ممنوع علي أن أمتلك الأدوات. الغرب نفسه فضح نفسه بسلسلة أفلام وثائقية وشهادات لمن هم في قلب ما يفعله الغرب على مستوى التكنولوجيا وتطبيقاتها التي وصلت إلى مرحلة الخطر الحقيقي على البشرية.

«ديجيتك4»
يتحدث د.فرعون عن مؤتمر «ديجيتك» المقبل بنسخته الرابعة (في 8 و 9 و 10 من كانون الأول المقبل) والذي هو تحت رعاية السيد رئيس الحكومة وبإشراف من السيد وزير الاتصالات، وبمشاركة هيئة الاستثمار. والمؤتمر بعنوان: أثر الشمول المالي الرقمي. وبرأيي فإن كل ما تحدثنا عنه في هذه المنصة (منصة تشرين) من مشاكل، وغيرها كثير مما يتم طرحه، فإن الشمول المالي هو الحل الوحيد لها، وقد لا يكون حلاً كاملاً نسبياً لكنه منطلق أساسي لأسباب عدة، فهو ببساطة وصول أي شريحة من المجتمع إلى أن يكون لها حساب بنكي، بمعنى أن «الكاش لازم نحط عليه إكس». إلا بالحد الأدنى، نحن هنا نتكلم بصورة نسبية.

يتحدث د.فرعون عن أن المؤتمر سيتضمن تجارب خارجية تعرض في اليوم الأول، من عدة دول عربية، من العراق تجربة الـ(فايبر تو ذا هوم) التي تم تنفيذها في أسبوعين فقط. وهناك تجربة صينية متعلقة بالدفع الإلكتروني. وتجربة سيبرانية متعلقة بتقنيات «فنتك» في البنوك لأن البنوك تستخدم تطبيقات أخرى قد تخترق عن طريقها، وهذه تجربة مهمة لحمايتها من الاختراقات.
وهناك تجربة من الإمارات/عجمان، للمهندس خليفة الشيهي. ومن «ميكروسوفت» تجربة لشاب سوري هو مدير قسم الـ «إي آي» في ميكروسوفت، وسبق أن كانت له تجربة عبر محرك بحث (شمرا) لم يكتب لها النجاح في بلدنا. وتجربة من السعودية، وتجربة روسية (وإن كانت غير مؤكدة هذه المشاركة بعد) وهي «ميرا» وهي شبكة مشابهة لنظام «سويفت» ولكن بمنحى آخر، وهذا نوع من محاربة سويفت الذي هو فعلياً أساس كل التحويلات بدول العالم.
أما بالنسبة للحضور فهو متعدد من كل الدول العربية تقريباً، وبالأمس وصلتنا موافقة حضور من مجلس الوحدة الاقتصادية في الجامعة العربية ممثلة بالأمين العالم للمجلس، إضافة إلى مستشار التقنيات لدى الأمين العام، الاستاذ الدكتور سيد عبد الصالح، وأيضاً هناك حضور من مديرة الشركات والمشاريع المشتركة، الأستاذة نوال فاخوري (من الأردن). إضافة إلى شخصيات عامة.
ويشير د. فرعون إلى حضور المواضيع الريادية، ويقول: فتحنا الباب لاستقبال هذه المواضيع، لتبني إحداها، من كافة الجهات، وإطلاقها ليس محلياً بل عربياً وهذه خطوة مهمة للشباب.

خصوصيّة
هنا يبرز سؤال: وسط هذا الحضور عالي المستوى كيف يمكن الحصول على أعلى فائدة، هل يمكن أن يقدم المؤتمر دعماً فنياً استشارياً، بمعنى هو فرصة لسورية؟
يجيب د.فرعون بـ لا، لأن أهل مكة أدرى بشعابها. كان هناك إصرار على أن اللجنة العلمية لا يكون ضمنها غير السوريين لأنهم الأكثر اطلاعاً ومعرفة بالواقع السوري، لأن التحول الرقمي هو في مناحي كثيرة متعلق بالمستوى المجتمعي.
ويضيف: سيكون هنا 6 محاضرات/ ورشات عمل، على مدار 3 أيام، وسيخرج عن اللجنة العلمية توصيات بناءة كما سبق وصدر في عام 2021 وتبناها مجلس الوزراء.
ويختم د.فرعون بأنه متفائل خصوصاً في ظل حكومة تتجه نحو الحوكمة واتخاذ القرارات بشكل صحيح.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار