أنطون مزاوي… مُصوِّرٌ مشغولٌ بما وراء الصورة
تشرين- لبنى شاكر:
تصوير: طارق الحسنية
يُؤمن المُصوِّر المحامي أنطون مزاوي 1964 بأن تبني الفنان البصري مشروعاً واضح المَعالم، ينأى به عن البقية من المُصوِّرين العَرَضيين أو الاعتباطيين، بل إن الصورة المُستندة إلى بحثٍ جاد تُعادل ولادةً فنيّةً حقيقيةً لِصاحبها، وعلى هذا كان يرفض دائماً الصورة المجانية أو القائمة على المُصادفة، وفي السياق ذاته التي تكتفي بالجماليات، بحيث يجب أن تنطوي فكرة العرض عنده على أبعادٍ أكثر عمقاً، ولا سيما حين تتكئ في عنوانها العريض الذي اختاره للعمل هذه المرة، إلى أمكنةٍ معروفةٍ، وفي موازاتها انتقى مَطلع الأغنية الشهيرة “أحبّ دمشق هواي الأرق” ليكون دلالةً إلى معرضه الفردي السادس في صالة الشعب مُؤخراً، ومدخلاً يُوجز اشتغاله على بناء الصورة وليس مُجرّد التقاطها.
مزاوي: حاولتُ فهم الأماكن التي زرتُها.. حاورتُها واستمعتُ إليها، سعياً وراء لقطاتٍ مدروسة
تفاصيل لا حصر لها
التعاطي مع التصوير كجهدٍ مرهونٍ بخطة عمل، يتطلّب من مزاوي العمل على زمنٍ مُمتد، وصل في بعض الأحيان كما يقول إلى خمسة عشر عاماً، وفي معرضه الأخير، تعود الصورة الأقدم من بين خمسة وعشرين إلى عام 1996 فيما تحمل الأحدث تاريخ العام الحالي، قدّم فيها زخارف الجامع الأموي مع أبوابه وواجهته الرئيسة، إضافة إلى “قبة الخزنة، قصر العظم، مقام السيدة رقية، بيت خالد العظم، مكتب عنبر، بيت المملوكة، بيت نظام، بيت فارحي، فندق تلسمان”.
يقول في حديثٍ إلى “تشرين”: “في دمشق تفاصيل لا حصر لها، وغنىً يطول كل شيءٍ فيها، والحق إنها كما قيل عنها منذ أزمانٍ بعيدة، رمزٌ من رموز الأبدية، تقيس الزمن بمقاييسها الخاصة، وهو ما حاولتُ نقله في صُوري، تماماً كما اختبرتُ مشاعر جميلة في تقصّي أسماء الحرفيين والبنّائين، الذين تفننوا في البناء والزخارف والديكورات، ومن المفارقات التي وقعتُ عليها مثلاً، إن عدداً ممن أبدع زخارف الجامع الأموي كانوا من المعماريين المسيحيين، حاولتُ كذلك فهم الأماكن التي زرتُها، حاورتُها واستمعتُ إليها، سعياً وراء لقطاتٍ مدروسة، حتى إنه يُمكن لي الحديث عنها تاريخياً ومعمارياً وما يتعلق بذلك من قيمٍ عديدة، أنا أُؤمن بضرورة إتقان عملي مهما تطلّب جهداً أو سأتوقف عن مُمارسته”.
يرفض أنطون مزاوي الصورة المجانية أو القائمة على المُصادفة، وفي السياق ذاته التي تكتفي بالجماليات
عن دمشق وغيرها
ليست هي المرة الأولى التي يتناول فيها مزاوي دمشق كمشروعٍ بصري، حيث سبق أن قدّم معارض عن أُناسها وحاراتها وحِرفها اليدوية، وفي معرضه الرابع الذي تضمن بحثاً وندوةً مرافقة لموضوعة الرموز البصرية في أبواب الدور الدمشقية، اكتشف كما يشرح إن دمشق منشأ الدقاقات في العالم، ومن بين ما عثر عليه دقاقة تعود إلى القرن الثامن الميلادي، مع ارتباط نماذج مُتعددة منها بعبادة الآلهة القديمة، وعلى ما يُوضحه، حالت التكلفة المادية المرتفعة دون إمكانية تطوير معرضه “أحبّ دمشق”، مُشيراً إلى دور نقابة المحامين التي آمنت بمشروعه ودعمته، وهو ما يجب أن تلتفت إليه المؤسسات والجمعيات والنقابات والشركات الخاصة برأيه، بمعنى أن يكون لها دورٌ حقيقيٌّ بنشر الثقافة، فالفنان بعيدٌ عن الثراء عادة وإلّا لأصبح تاجراً.
وفي رصيد مزاوي أيضاً معرض بورتريه “نساء شرقيات” 2002 اشتغل عليه مدة أربع سنوات، ومعرض “طقس الدراويش” 2007 ضمّ مجموعة من الصور لطريقة جلال الدين الرومي بالتصوف، عدا عن عددٍ من الجوائز منها الجائزة الأولى من الأمم المتحدة “مكتب التنمية والسكان” في مسابقة المرأة والتنمية عام 2003، والميدالية الذهبية من دولة الفاتيكان عن صورة لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2001، وفي أرشيفه عشرات آلاف الصور التي يُؤكّد رفضه بيعها رغم كل العروض.
متحف الفوتوغراف… مكانٌ بعيدٌ عن التجارة ومُتاحٌ لمن يرغب بالزيارة والفرجة
متحف الفوتوغراف
في ميدان التصوير أيضاً، يعمل مزاوي على متحف يُعنى بفن الفوتوغراف، قِوامه أرشيف المُصوّرين السوريين، حتى إنه اقتنى وجمع قطعاً وآلاتٍ عمرها مئات السنين، يقول عن هذه الخطوة التي ما زالت في مراحلها الأولى “الفكرة بدأت مع صديقي المُصوّر ماهر حباق، وعندما غادر البلد استلمتُ مكانه لأتابع العمل بالتعاون مع المخرج محمد عبد العزيز، هو يعمل في أنتيكة السينما وأنا في أنتيكة الفوتوغراف، المكان ليس تجارياً وهو مُتاح لمن يرغب بالزيارة والاطلاع، وهناك من يقصدوننا للحصول على الاستشارة والمساعدة”.
واللافت إنّ المتحف قدّم مُؤخراً استشارات في الدراما التلفزيونية، إحداها كانت لمسلسل “تاج” إخراج سامر برقاوي، حيث رفد أمكنة التصوير بمجموعة إكسسوارات مثل آلة كاتبة وكاميرات فوتوغراف وتجهيزات إضاءة، وغيرها من اللوازم التي تُحقق شرط الأمانة التاريخية والموضوعية الواجب توافرهما في أي عمل له صبغة تاريخية كما يُبين مزاوي، مُؤكداً القيمة الفنيّة للمكان في وقتٍ تُستخدم فيه كلمة مُصوِّر من دون درايةٍ وفهمٍ لجوهرها ومكانتها.
يُضيف مُستحضراً معرضه موضوع حديثنا “البعض سألني عن نوع الكاميرا وكيفية تكبير الصورة وتأطيرها لكن ما يهم فعلياً هو اختيار العدسة وورق التكبير، بالمحصلة هناك ثقافة بصرية غائبة نوعاً ما عنا، وما أُكرره باستمرار إنني وأبناء جيلي وقعنا في الفجوة بين الفوتوغراف والديجيتال، تالياً الانتقال إلى الأحدث كلّفنا جهداً ووقتاً ومزيداً من البحث”.