أعمال درامية لامست بحميميتها روح الجلاء.. كيف وثقت الدراما السورية ليوم الجلاء
تشرين- ميسون شباني:
شكلّت البطولات الوطنية والأحداث المفصلية الهامة التي مرت على سورية أرضاً خصبة للعديد من أقلام المبدعين تجلّت في مختلف الفنون، ويعتبر يوم الجلاء برمزيته الوطنية يوم الحرية والخلاص من الاحتلال الفرنسي، فعّبر المبدعون بأقلامهم عن جمالية هذا اليوم وما يحمله من دلالات وطنية كبيرة، ورصدوا في مختلف الفنون حالات القهر والظلم التي مرت على شعبنا إبان الاحتلال الفرنسي،وقدموه بصورة مشرقة وعميقة لامست جمالية اللحظة بحميميتها وأرخت لبعض القامات والشخصيات التي كانت علامة مضيئة في تاريخ سورية المعاصر وسعت الدراما لتوثيق نضالهم بصرياً لتكون وثيقة حية للأجيال القادمة ولتؤكد على عراقة هذا البلد في النضال والصمود.
الحكايا الأولى
ولعل أبرز الأعمال الدرامية التي حاكت روح الجلاء كان من خلال ما أنتجه التلفزيون العربي السوري في الستينيات عبر أعمال صورت كفاح الشعب العربي السوري ضد المحتل ورفضه لسياسة الاحتلال، وأولى الأعمال الدرامية كانت عام 1966 عبر مسلسل “فجر الاستقلال” والذي أخرجه الفنان الراحل هاني الروماني،تلاها مسلسل “الطفل” إخراج علاء الدين كوكش، وبعدها “الدقائق الخطرة” إخراج رياض ديار بكرلي، و”بائع الحليب” إخراج قسمت طوران.
محاولات جادة
ولتتبلور الحالة النضالية درامياً أكثر في فترة السبعينيات وجاءت بشكل أكثر عمقاً من خلال تمثيليتي “الغضب” و”المساومة” لمخرجهما غسان جبري ،وتقدم تمثيلية المساومة شخصية ثائر قبض عليه المحتلون فحكموا عليه بالإعدام، وساوموه على إلغاء الإعدام مقابل طلب التماس العفو من سلطات الاحتلال ويرفض الثائر طلب العفو،كي لا تضعف نفوس الثوار. وحاكت تمثيلية “الهيبة” التي كتبها رياض سفلو وأخرجها عبد المسيح نعمة قصة شاب عادي يتحول من إنسان سلبي إلى إنسان إيجابي فعال في الثورة ضد الاحتلال بعد مقتل والديه على يد السلطات الفرنسية ،وتفردت تمثيلية “هدية إلى الثوار” التي كتبها عبد العزيز هلال،وأخرجها محمد الشليان ،حكاية جندي من المغرب العربي يعمل مع الجيش الفرنسي ،وينحاز في النهاية إلى الثوار السوريين. وتتالت التمثيليات بعدها من “الجسر” للكاتب إلياس إبراهيم وإخراجها محمد بدرخان، وقدم بعدها الكاتب ابراهيم تمثيلية “الوصية” و أخرجها آنذاك نبيل ع شمس.
محطات هامة
وانتقلت الدراما إلى مرحلة جديدة عبر أعمال طويلة قدمت ضمن خطها الأساسي النضال ضد المستعمر بكافة أشكاله فكان مسلسل “البسطاء” الذي أخرجه سليم صبري، وأيضا “رجال وضباب” الذي كتبه الفنان رضوان عقيلي وأخرجه جميل ولاية، ولكن التحول الأهم كان عبر مسلسل “بسمة الحزن” المأخوذ عن رواية للكاتبة الكبيرة إلفت الأدلبي وإخراج لطفي لطفي وجسد بفضائه الدرامي الإضرابات والتظاهرات والأزمة الاقتصادية وبشاعة الاحتلال الفرنسي وقصفه دمشق إضافة إلى مقاومة الشعب بكل فئاته وربط الحياة الاجتماعية بالمواقف النضالية، تلاه مسلسل “أبوكامل” بجزأيه 1991 و1993 ورصد عبرهما فترة الاستعمار الفرنسي والبيئة الشامية وحكايات جانبية عن الوطنيين والمقاومة وطمع البعض في المناصب وهومن تأليف الدكتور فؤاد شربجي وإخراج الراحل علاء الدين كوكش. وهناك أيضاً أعمال ملحمية تاريخية وطنية، من بينها “أخوة التراب” بجزأيه 1996 و1998، قصة وسيناريو وحوار حسن م يوسف وإخراج الأول نجدة إسماعيل أنزور، والثاني شوقي الماجري، حيث تناولا أحداث الثورة العربية ضد الاحتلال العثماني إلى حين سقوطه وبدء الاستعمار الفرنسي لسورية وغير ذلك من الأعمال التي نالت شهرة عربية واسعة. ويعتبر هذان العملان محطتان مهمتان في تصوير فظائع الاحتلال الفرنسي وجرائمه.
توثيق فني
ووثق مسلسل “حمام القيشاني” لمؤلفه دياب عيد لفترة الاستعمار الفرنسي ووثق عبر تفاصيله حوادث قصف البرلمان مروراً بعيد الجلاء وحرب فلسطين وأفول أحزاب وولادة أخرى، ثم الوحدة السورية – المصرية عبر أجزاءه الخمسة، وقدم مسلسل “هجرة القلوب الى القلوب” منعكاسات الحرب العالمية الثانية على السياسية السورية في ذلك الحين وقيام الثورة السورية الكبرى وانخراط جميع شرائح المجتمع بها ومن ثم خروج المستعمر الفرنسي من البلاد وانتزاع الاستقلال منه، ووثّق قوة الشعب عبر تماسكه والتحامه لمجابهة الاستبداد ويعتبر مسلسل نهاية رجل شجاع نقطة تحول في تاريخ الدراما السورية عبر ماقدمه، ويصور المسلسل مرحلة صعبة من حياة السوريين زمن الإحتلال الفرنسي وحالة الفقر التي سببها الاحتلال للكثير من أهالي القرى آنذاك ما جعل الشباب يبحثون عن فرصة عمل لدى الإقطاعيين الذين تحكموا بأرزاقهم ومعيشتهم لتبرز شخصية مفيد الوحش كشخصية وطنية تناضل ضد الاحتلال الفرنسي، وحاكى مسلسل “ملح الحياة” لمؤلفه حسن.م. يوسف وإخراج أيمن زيدان المظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي مروراً بالاستقلال وما بعده حتى 1958.
ولم تخل أعمال البيئة الشامية من موضوع النضال ضد المستعمر الفرنسي ولعل أبرز هذه الأعمال: الداية، الوردة الأخيرة، كحل العيون، باب الحارة، كوم الحجر، الشام العدية، طاحون الشر، الزعيم.. وسواها.