جرار الفلسفة على أكتاف بنات الشعر
يُحكى إنّ الشاعر الألماني هولدرلن -القرن التاسع عشر- عاش أكثر من نصف حياته في الجنون منعزلاً في غرفةٍ ببرجٍ لا يغادرها.. ويُروى أنّ المكان كان أشبه بغرفة على السطح- بعكس ما يُحكى عن الأبراج العاجية للكتّاب والفلاسفة – كما يُحكى أيضاً؛ إنه على أكتاف بنات أفكار هذا الشاعر شبه المجهول، قامت الفلسفة الوجودية التي صاغها الفيلسوف الألماني العظيم مارتين هايدغر، والتي نجد صياغاتها التامة في كتابه المؤسس (الكينونة والزمن)، الذي أعاد إنتاجه بطريقة ما الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر من خلال كتابه الشهير في الأوساط العربية باسم (الوجود والعدم)..
يُقال إنه مع قراءة هايدغر لهولدرلن، وجد مفهوم “الدازاين” أو الوجود في الآن/هنا، وانفتحت الصيرورة والوجود، صار كتاباً مقروءاً بفعل بشري.. تلك العتبة أحدثها قارئ كما يحب هايدغر تسمية نفسه لنصوص شاعر في حالة عزلة توصف بالجنون التام..
ذلك كان في الجانب الغربي للمتوسط، أما في شرق هذا البحر وجنوبه؛ فما زالت إمكانية عقلنة النصوص الشعرية في منطقتنا محدودة للغاية، والمقصود بالعقلنة هنا؛ كما يراها الأديب السوري أحمد اسكندر سليمان؛ تعني قراءتها بطريقة تنتج من خلالها ما يتجاوز المنظومة القسرية التي تُعيد إنتاج الكائن هنا.. والمحاولات التي صدرت كأصوات لم تتحول إلى منهج عقلي للقراءة على مستوى الجمهور، ولم تساهم تلك القراءات بإنتاج فرد جديد، فالمنطقة التي ننتمي إليها مأسورة لسلطات متنوعة وبائسة كثيراً ما تتحالف مع المقدس على حساب العقل والكائن الذي يحاول الوجود في الآن.. نرى نتائج مثل هذه الأخطاء المأساوية فيما يحدث من محن على مدى المشهد الدامي اليوم في مختلف البلاد العربية.
هامش:
………….
كوطن
للجوء العاطفي؛
أفتشُ عنكِ،
وفي المجموعات الشعرية..
نبحثُ
عن بيت قصيدٍ نلوذُ به،
وكغيوم تشتهي للكروم المطر،
نهرب من إملاء أفعال الأمر
وحارات الهمز واللمز،
وكل أزقة أدوات الجزم
وزواريب حروف العلة.