مشروعات تحقق اكتفاءً ذاتياً للأسر وقد تتحول إلى مشروعات اقتصادية.. الزراعات المنزلية خير من الترحم على “بركة الماضي”

تشرين- حسيبة صالح:
من الياسمين والفل إلى النرجس الليلكي المجنونة واللبلاب وورق الصالون، إلى الخبيرة والختمية والعطرة، حكاية تروى داخل كل بيت سوري.. هي علاقة روحية جميلة، أما الآن فلم تعد الزراعة المنزلية في أغلبيتها هواية أو عادة جميلة توارثناها لتعطي لبيوتنا الحب والجمال بل أصبحت مصدراً للدخل.

نفكر في مشروع
نشأت في أسرة تعتني بالزراعة المنزلية بهدف إضفاء الجمال والراحة.. بهذه العبارة بدأت (حسناء) حديثها لـ”تشرين” قائلة: أحب زراعة الورود ونباتات الزينة وأستمتع بالعناية والاهتمام بها، مع كل وردة حكاية وقصة حتى بدأت بزراعة الخضراوات، مع أن الزراعة في المنزل تتطلب جهداً وصبراً كبيراً، لكن النتيجة التي حصلت عليها أنستني تعبي وأصبح هذا العمل يدخل البهجة والسرور إلى حياتي، وقد وفرت المال فأنا أزرع الطماطم والفول والجرجير والجزر والكزبرة والبقدونس، كما أزرع العطرة التي أستخدمها في الشاي لتعطيه مذاقاً مميزاً وأستخدمها أيضاً في طهي الرز مع الحليب، أما إكليل الجبل فله حكاية جميلة حيث أستخدمه في طهي اللحوم وأضيفه للكثير من “الصوصات” ليضفي للوجبات نكهة لذيذة ومميزة.

 

سيدة: بعد اعتمادنا على الزراعة المنزلية وفرنا المال والآن تفكر هي وزوجها باستئجار أرض زراعية والبدء بمشروع اقتصادي لأسرتها

وتضيف حسناء: إنني أراعي في الزراعة الأوقات المناسبة لكل نوع من أنواع النباتات، ففي هذه الأوقات مثلاً أقوم بزراعة الخيار والكوسا والقرع والشبت لأن الالتزام بمواعيد الزراعة يسهم بشكل كبير في إنجاز العمل بشكل جيد ومفيد، مؤكدة أنها بعد اعتمادها على الزراعة المنزلية وفرت المال، والآن تفكر هي وزوجها باستئجار أرض زراعية والبدء بمشروع أسرتها اقتصادياً.

حلويات بطعم الزهور
الزهور أيقونة الجمال والنقاء والرائحة الذكية منذ القدم.. تقول (نسرين) التي تعمل في معمل حلويات في دمشق لـ”تشرين”، وتضيف: لا تقتصر فوائد الزهور على منظرها الأخاذ وعطرها، بل أيضاً لبعضها طعم لذيذ، فنحن في المعمل نضيف بتلات الزهور إلى أنواع من الشوكولا، وهي مطلوبة من الزبائن كثيراً، فقالب صغير من الشوكولا مع بتلات الورد الجوري يبلغ سعره ٥٠ ألف ليرة سورية، كما تتم إضافتها إلى أنواع من الراحة المعجونة مع الفستق الحلبي ويصل سعر الكيلو لحوالي ٣٧٥ ألف ليرة سورية، وعند صناعة انواع معينة من الكيك نقوم بإضافة زهور الخزامى وهي تضفي نكهة مميزة، ويبلغ سعر القالب ١٥٠ ألف ليرة سورية، أما زهور البرتقال أو الليمون فنصنع منها مربى نستخدمه في تزيين الحلويات العربية والمحلاية، فله لون أحمر جميل وطعم لذيذ، ونضيف زهور البرتقال الطبيعية للشوكولا الداكنة وهي مفيدة وطعمها رائع ويبلغ سعر قالب صغير منها ١٧٥ ألف ليرة سورية، أما عن الزعفران، ولارتفاع أسعاره، فنحن نضيفه للبوظة “التوصية” حسب رغبة الزبون، كما نقوم أيضاً بتزيين أنواع كثيرة من «الكيكات» ببتلات الزهور لنزيد من جاذبيتها.
وتضيف نسرين: أحب أن أخبر “ست البيت” بأنها تستطيع تحضير الحلويات مع الزهور الطبيعية، لكن عليها الانتباه عند شراء الزهور الطبيعية بأن تكون من مصدر موثوق حتى لا تكون معرضة للمبيدات الحشرية، وعليها غسلها بشكل جيد ومن ثم تحضيرها بالطريقة التي تناسبها، فهذه الزهور متوفرة في بيئتنا.

زراعات منزلية تكثيفية
الزراعة المنزلية تتنوع من احتياجات المنزل الجمالية أو الطبية أو الغذائية.. يقول الخبير التنموي أكرم عفيف مؤسس مبادرة المشروعات الأسرية السورية التنموية والمجموعات المتفرعة عنها لـ”تشرين”: مجموعة المشروعات الأسرية أسست مجموعة اسمها الحديقة الأسرية تتضمن أفكاراً رائعة منها حديقة ٣ أمتار مربعة كافية لخضراوات المنزل عن طريق الزراعة التكثيفية، من خلال زراعة نباتات لا تأخذ غذاء من بعضها وتحمي بعضها من الأمراض والحشرات والآفات الزراعية.

معامل حلويات تضيف بتلات الزهور إلى أنواع من الشوكولا لشدة الطلب عليها

ويضيف عفيف: طرحنا فكرة دمشق تأكل من خضراواتها ومن جدران منازلها، ففي جدران البيوت توجد جيوب يوضع فيها سماد عضوي أو “فيرميكومبوس” وإنتاج أنواع من الخضراوات مثل الخيار والبندورة الكرزية والنعنع مثلاً.
ويؤكد عفيف على أهمية هذه المبادرة لعدة أسباب، منها أسباب صحية لأن المنتج الموجود في الأسواق ليس آمناً دائماً، بسبب الإفراط في استخدام الأسمدة الضارة التي تسبب أحياناً تسمماً غذائياً أو من خلال سقاية هذه المزروعات بمياه غير صالحة للري، واقتصادية من خلال توفير المال عندما تصبح منتجاً وتعتمد على نفسك وتدخر أموالك، وكذلك بيئية من خلال تنقية الجو بالأوكسجين وإضفاء منظًر جميل، وطبية من خلال زراعة النباتات العطرية والطبية لتحمي نفسك من الأمراض.
وهناك الكثير من الأزهار التي لها العديد من الاستعمالات، فمثلاً الخزامى (اللافندر)، تستخدم عادة في صناعة الحلويات والمخبوزات لاحتوائها على نكهة حلوة.
الكركديه: تستخدم بتلات زهوره في صنع الشاي أو المربى وهو يحتوي على نكهة تشبه التوت البري وله فوائد صحية، فهو يقي من الإصابة بالإنفلونزا لاحتوائه على مضادات للالتهاب والفيروسات، كما يحوي فيتامين c فيساعد على تقوية جهاز المناعة في الجسم.
أما الوردة الشامية فتستخدم بتلاتها في صنع الشاي والمربى والشراب لاحتوائها على نكهة حلوة ولذيذة .

عفيف: حديقة ٣ أمتار مربعة كافية لخضراوات المنزل عن طريق الزراعة التكثيفية من خلال زراعة نباتات لا تأخذ غذاء من بعضها وتحمي بعضها من الأمراض

بنك للبذور
ويضيف العفيف: مجموعة المشروعات الأسرية أسست بنك البذور الذي يعتمد على إرسال البذور إلى أسر سورية أخرى، فمثلاً البندورة الكرزية غير موجودة، لكن بنك البذور قام بتوزيع ٥٠٠ ألف بذرة بندورة كرزية على الأسر، وكان الشرط بأن من يأخذ البذور يقوم هو بدوره أيضاً بتوزيع من (١٠-١٠٠) حصة لآخرين حتى تنتشر الفكرة وتم توزيع بذور البندورة البعلية و٥٠٠ حصة لبذور الكركديه كمشروب صحي وبديل عن الشاي والقهوة والمتة، وكان معنا في المبادرة متطوعون ساهموا بتوزيع ٤٠ ألف عقلة وردة شامية، و٤٠ ألف عقلة تين مصيافي و١٥ ألف شتلة زعتر خليلي، واليوم نسعى نحو الأكثر وهناك مشاتل قدمت ١٠ شتول مجاناً لأي أسرة تقوم بمشروع أسري وهذه المبادرة تكبر والقادم أفضل.

أخيراً

كلنا يذكر بيت أهله أو جده في الريف، ويترحم على الأيام الماضية، واصفاً إياها بأيام الخير، فكانت حديقة المنزل “الحاكورة” ملأى بالخضراوات المتنوعة على حسب الفصول، وكان من المعيب أن تشتري احتياجاتها من خضراوات الموسم من السوق، وكان الدجاج البلدي موجوداً في كل بيت، إضافة إلى الأغنام والماعز والأبقار.. لكن الحداثة فعلت فعلها، واستبدلت الزراعات المفيدة بأشجار الزينة لأن أفراد الأسرة غير مستعدين للعمل “المجهد” لساعة أو ساعتين، لكنهم يدفعون الأموال للنوادي والمدربين لتصبح أجسادهم رشيقة!
كما باتت تربية المواشي من المحرمات لأن رائحتها غير محببة لسيدة المنزل، واستعيض عنها بتربية الحيوانات الأليفة من قطط وكلاب وسناجب وجرذان مستوردة، وحتى الحيوانات المفترسة، التي تحتاج إلى أطعمة مستوردة ومعالجة وأطباء بيطريين لمعاينتها والشامبو والمعطرات لتنظيفها!
الخير نحن من أضاعه لمواكبة “بريستيج” زائف لا يقتصر على المكتفين مادياً، بل حتى الأسر التي تشتكي من الفقر مستعدة للترحم على الماضي كل اليوم، ولا أن تعمل عملاً منتجاً.
الزراعة المنزلية من الزراعات المنتشرة حول العالم لفوائدها الصحية والبيئية والاقتصادية والجمالية ويمكننا الاستفادة من المساحات المتاحة في أسطح وشرفات منازلنا لنحقق اكتفاء ذاتياً وليكون لنا دور في التنمية المستدامة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار