منطق الكفاح أو ما يخلد في التاريخ
تشرين- ادريس هاني:
يراهن مجلس الأمن الدولي على هدنة ومشروع حلّ يبدأ من إطلاق الأسرى بلا شروط، وإطلاق عملية تفاوض جديدة على أساس حل الدولتين، المشروع الذي تمّ إقباره عبر سياسة التهجير والتصعيد. ليس هناك ما يشجع على مفاوضات حقيقية، حيث إطلاق الأسرى من طرف واحد يعيد الأمر إلى المربع الأول للأزمة، مع وجود ألوف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الحلول المقترحة تراهن على حياة المدنيين الذين دفعوا ضريبة صمت وتجاهل النظام الدولي لمطالبهم الجوهرية، مطالب لا زال الاحتلال يحاول طمسها بفعل القوة العارية وانحياز الغرب السياسي للاحتلال والعنصرية.
حتى الآن يعتقد الاحتلال أنه انتصر عن طريق حرب الإبادة، وكأنّنا نعيش عهد ما قبل عصبة الأمم، هذا بينما الجدل قائم في الكابنيت حول محصول الهزائم الاستراتيجية التي انتهت بوضع الكيان أمام محكمة العدل الدولية، وأمام مؤشرات عزلة دولية كبيرة حول الكيان، فضلا عن تشبيك عملي بين جبهات المقاومة، خرق قواعد الاشتباك التي حرص الكيان والغرب على الحفاظ عليها، درءاً للمجهول.
الأرقام متاحة للوقوف على عدد القتلى المدنيين والخراب الذي طال الحجر والبشر، وأيضاً عدد قتلى جيش الاحتلال، في مناخ من تراجع الثقة، والتلويح بمخاطر عزوف الحريديم عن التجنيد، انتقادات الضباط للحرب وخطورتها على مستقبل الكيان، قطاع الجيش قضية استراتيجية لكيان يقوم على العسكرتارية وليس على السياسة، حكومة النتن الإجرامية حائرة في تدبير هزيمتها في غزة.
هناك نموّ في الوعي الدولي للشعوب، فقدان الثّقة في نجاعة الليبرالية المتوحّشة التي لا يستقيم أمرها إلاّ بافتعال حروب طبقية وعنصرية وعالمية، الليبرالية المتوحشة تساوي صدام الحضارات والإستعمار والهيمنة والحرب. نمو الوعي لدى شعوب العالم، بما في ذلك الشعوب الغربية، لا يمكن مقاومته بأساليب الاقتصاد السياسي للهيمنة على الوعي والثقافة، الرهان على استقالة مجتمع الاستهلاك من المشاعر النضالية والتضامنية مع القضايا العادلة، إنّ الوعي يتراجع والضمير يتآكل، ولكنهما لا يموتان.
يبقى أن الكيان خسر المستقبل، فالرهان على الجيش بات مخيّباً للآمال، لقد جرّ على الكيان كارثة جعلته عبئاً على النظام الدولي وعلى حلفائه.
الحديث عن تفكك الكيان بات حديث وتلويحات الكابنيت قبل الخُبراء والمحللين، الخيط الفاصل بين القوة المفرطة التي تعكس حالة عجز القوة – عجز القوة عند برتراند بادي- وإمكانية الانهيار والتفكك، هو خيط رفيع جدّاً، وأنّ معادلة تغيير قواعد الاشتباك وميلاد عناصر حرجة، تستند إلى متغير الصمود والمقاومة، لقد فشلت نظرية المُخاطرة، وأصبح الوقت أضيق بكثير للبحث عن بدائل لإنقاذ وضعية كيان هشّ يعيش تحت طائلة عقدة الثّباتية منذ 48.
منذ 48، لم تشهد القضية كل هذا العنفوان، نتيجة صمود شعب أربك كل سياسات تصفيق القضية وإنهائها في كواليس السياسة الدولية والإقليمية، من كان يشكّ في أنّ الشعوب تحبط مؤامرات الاستكبار، فلينظر إلى ملحمة الصمود في غزة، حين ينتصر الأمل على الإبادة، والطفولة المُقاوِمة على الشيخوخة الإمبريالية، إنّه درس غزّة الشامخ في مفترق طرق الحضارات المتصادمة حول العدالة الدولية، إنّ النظام العالمي الجديد تصنعه الشعوب الحرة بوسائل الكفاح والتحرر الوطني، الحقيقة الوحيدة التي ستبقى حية في الضمير ، خالدة في التّاريخ…