صقر عليشي
“جئتُ إلى الدنيا
وغيرُ هذه الأشعار
ليس في يدي؛
من المُعيب أن يمرَّ المرءُ
ليس في يديه شيء..”
أظنُّ إن صقر عليشي، بهذه الومضة السريعة، التي عنونها ب”زائر”؛ كثف من خلالها رسالته في هذه الحياة، فقد ولد ليكون شاعراً فحسب، فقد أخلص للقصيدة حتى إنه لم يكتب غيرها، بل كانت مختلف شواغله الأخرى تذهبُ في سبيل القصيدة العالية..
ومناسبة هذا التقديم أعلاه؛ هو الاحتفاء بتجربة الشاعر السوري صقر عليشي الذي سيمتدُّ طوال سنة (2024)، في مختلف البلدان والمدن العربية، وذلك بناءً على ترشيحات وزارات الثّقافة في الوطن العربي، حيث أقرّت المنظّمة العربية للتّربية والثّقافة والعلوم “الألسكو” ترشيح وزارة الثّقافة السّورية للشّاعر صقر عليشي شاعر الدّورة العاشرة عن الشّعراء الأحياء..
ومملكة عليشي الشعرية، كان بناها مجازاً إثر مجاز على مدى ربما تجاوز الأربعة عقود، كان خلالها كلّ مجموعة شعرية جديدة يصدرها، تُضيف طبقةً جديدة في عمارتها، وذلك في سباق هذه العمارة لتكون إحدى ناطحات سحاب الشعر، ولعلّ أكثر ما يدل على هذه الرفعة تلك المفردة التي تكاد تكون العلامة المسجلة في قصيدة صقر عليشي، وهي التنويع على طول القصائد بمفردة الارتفاع والسمو والعلو بكلِّ مرادفاتها، ذلك ما سعى إليه هذا الشاعر الذي شكّل علامته الفارقة في ديوان الشعر السوري المعاصر، من تلك السمو والذهاب صوب القصيدة العالية، القصيدة التي لا تُشبه غير صقر عليشي بهدوئها وتأملها، وفلسفتها.
كثيرون هم من نسبه لدولةٍ شعريةٍ ما، غير أنهم سرعان ما غيّروا رأيهم بعد تأني وهدأة، فهذا الناقد الكبير محي الدين صبحي الأكثر قراءة لشعر صقر عليشي يُصرح ذات عُجالة إن صقر عليشي “ينتمي إلى الدولة القبانية في الشعر النزاري.” غير أنّ الناقد صبحي لم يلبث طويلاً حتى صرح مجدداً «أعترف أن ما كتبه صقر عليشي لم يصل إليه نزار».. تجربة شعرية لخص ملامحها صديقنا المشترك الدكتور عاطف البطرس بعدد من الملامح: البراعة في السخرية والهزل، وربما كان من أهم المساهمين في شعر البداهة والفطنة العربية.. ثم كان اعتماده على تشكيل المشهد في القصيدة، وليس الصورة، وهو ما أكسب نصه ملمح الحكاية، وما جعل قصيدته تتموضع بين ظاهرتين شعريتين: تجربة رياض الصالح الحسين، وتجربة نزار قباني كفرادة في الساحة الشعرية السورية..
وصقر عليشي؛ شاعر وناشر، مواليد (1957) عين الكروم (إحدى قرى سهل الغاب في ريف حماة)، من أبرز شعراء جيل الثمانينيات، كان جمع أغلب نتاجه في إصدار: “الأعمال الشعرية” (2008).