شعر
ربما لأنّ الشّعر، هذا الكائن الممزق بين أسئلة الوجود، والمعيش، وبجواره المضني، مع المرئي، واللامرئي، مع الأعماق الدفينة للكائن والتاريخ، هذا الكائن الذي يقع في المنطقة الأكثر قلقاً، والأكثر ترحلاً.. هل لأنه كذلك، كان الأكثر انزياحاً، بل الأكثر انسياباً وتماهياً في الأجناس الإبداعية الأخرى.. هل القصيدة تضيق بما عند الشاعر ليعبّر من خلالها، ومن ثم تذهب «الشعرية» في أجناسٍ أخرى غير القصيدة، أو ـ ربما ـ لأنّ تلك الأنواع تُشكّل فضاءً آخر للشعر.. إذاً أساس الإبداع، وأيّاً كان نوعه؛ هو الشعر، والأمر ليس لضيقٍ في القصيدة، وإنما حتى يُصنف الجنس هنا في خانة الإبداع..
على مستوى من يكتبون الشعر، هم “الأكثرية”، مع ذلك ثمة من يرى أن “قلة” من تقرأ الشعر.. الإشارة الأخيرة تقعُ في خانة الشك والالتباس.. يذكر إعلان اتحاد الكتّاب العرب عن معرض الكتاب الذي سيقيمه في جامعة دمشق، إنّ سعر كتاب الشعر هو (500) ليرة، فيما سعر باقي الأجناس الأدبية هو (1000) ليرة، وعند استفسارنا عن الأمر؛ كان الجواب: لأنّ المجموعات الشعرية هي الأقل مبيعاً، ومؤخراً تمّ تسريب توجيه للهيئة العامة السورية للكتاب يوصي بالتقنين من الإصدارات الشعرية إلى الحد الأدنى..
ومن ينتبه للإشارتين السابقتين؛ يظن أنّ القراء يصطفون اليوم بالطوابير لشراء الرويات والقصص القصيرة وكتب الفلسفة والفكر والدراسات والأبحاث.. محنة القراءة واقتناء الكتاب هي محنة الثقافة العربية منذ قديم الثقافة وإلى اليوم، فنسبة من يقرؤون هم أنفسهم، ولم يتغير شيء على الإطلاق.. ربما من حسن حظ الشعر إنّ كتّابه كثيرون، فعلى الأقل يقرأ الشعراء لبعضهم وضمن دائرتهم والتي تبدو أوسع من غيرها، وأيّاً كان حامل المجموعة الشعرية، سواء كتاب ورقي، أم إلكتروني، أم كان الشعرُ منشوراً على صفحات السوشيال ميديا لاسيما الفيس بوك.. وربما من حظّ الشعر أيضاً إنه الأكثر انتشاراً على هذه المواقع.. ولابأس من التذكير إن أولى المواقع الثقافية على “النت” كانت للشعر عبر موقع (جهة الشعر) الذي أنشأه الشاعر البحراني قاسم حداد منذ أكثر من عقدين من السنين، ومن نافل القول التذكير إنّ المنابر خلقت لإلقاء القصيدة منذ سوق عكاظ، وحتى آخر قصيدة ألقيت في مهرجان أو ملتقى أو أمسية..
إذاً الشعر بخير أيها السادة، ولن يموت الشعر إلا إذا اختفى الإنسان عن هذا الكوكب – على ما يرى صديقنا الشاعر إسكندر حبش- بل حتى كوكبنا هذا ما هو سوى قصيدة شعر.
هامش:
لن
تخشي شيئاً بعد اليوم؛
فقد
ملأتُ لكِ
جيوبي بالأغاني،
و.. بالكثيرِ
من زخات المطر.