«نغمة» أميركية جديدة

ما الذي تخفيه «نغمة» أميركية جديدة مستمرة منذ أيام حيال العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والتي يصفها البعض بأنها انقلاب كبير في الموقف لابد وأن نرى ترجمة له في الأيام المقبلة بإجراءات وقرارات ستتخذها إدارة بايدن لتشكل سابقة تاريخية من بين الإدارات الأميركية المتعاقبة حتى الآن؟
.. و«النغمة» تتركز بصورة أساسية على أمرين: الأول هو ما يصدر عن إدارة بايدن من تصريحات حول الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن عملية إنفاذ «حل الدولتين» التي باتت حتمية لإنهاء الصراع والوصول إلى تسوية دائمة (حسب ما يقوله مسؤولو إدارة بايدن). والأمر الثاني هو النغمة الإنسانية التي ظهرت فجأة على لسان بايدن ومسؤولي إدارته، حتى بدا وكأن بايدن- الذي يعلن منذ أربعة أشهر وحتى الآن دعماً مطلقاً دون مساءلة ولا محاسبة ولا خطوط حمراء للمذبحة الإسرائيلية ضد أهل غزة – بدا بايدن وكأنه نام (على هذه الحال) واستيقظ صباح اليوم التالي ليرى الدم على يديه، دماء أهل غزة، بأطفالها ونسائها وشيوخها، فقرر أن هذا لا يجوز استمراره، أو كما قال إن «إسرائيل» تجاوزت الحد.. وعليه لا بد من وضع حدّ لها.
طبعاً هذه نغمة كاذبة بالمطلق، خصوصاً في مستواها الثاني، فلا يمكن أبداً المراهنة أو القول إن لدى أميركا ضميراً، قد يصحو فجأة.. أما مسألة الاعتراف الأميركي بالدولة الفلسطينية، فهذه أيضاً لا يمكن الركون إليها، وإن كانت أمراً مرجحاً في ظل أن بايدن وحزبه الديمقراطي باتوا في وضع انتخابي حرج جداً يعود بشكل رئيسي إلى العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وما يفرزه من تداعيات خطيرة على مكانة أميركا في المنطقة والعالم، خصوصاً في ظل كل ما يُقال عن تورط أميركا، أو محاولات الكيان الإسرائيلي توريطها، في حرب كبرى في المنطقة، غير مضمونة النتائج، وهذا ما باتت تدركه إدارة بايدن جيداً وترد عليه بغضب سواء بالتصريحات أو بالاجراءات (ومنها فرض عقوبات أميركية على مستوطنين وقادة في جيش الكيان) ومنها النغمة الإنسانية آنفة الذكر، وكذلك مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
الكيان الإسرائيلي لا يخفي قلقه من هذه النغمة الأميركية الجديدة، ومع ذلك فهو لا يستمع لها، أو لنقل لا يريد العمل وفق ما يصله من إشارات غضب أميركية باتت متصاعدة وبصورة علنية. أكثر من ذلك فإن الكيان يعلن مواصلة العدوان الذي سيمتد في الأيام المقبلة ليشمل رفح، رغم كل التحذيرات الأميركية والدولية من التداعيات الإنسانية والإقليمية.. وقد يجوز هنا أن نسأل: هل الكيان الإسرائيلي يستغل بدوره حراجة الموقف الأميركي وضعفه في المنطقة؟
بكل الأحوال وأياً تكن النيات الأميركية حيال نغمتها الجديدة، أو لنقل حاجتها (الحالية) لإظهار تغيير في المواقف، سواء في الداخل أو الخارج، فإنه بالامكان الاستثمار فيها، للوصول تحقيق هدف التسوية الدائمة وإنهاء العدوان، وضمن ذلك هدف الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار