الجزء المفقود

حين قالوا “الشعر ديوان العرب” لم يتألَّوْا على الحقيقة لأن الشعر العربي مدّ جذوراً عميقة، وأورق وسمق وأورف، وحمل في كل أزمنته أصولاً وقواعدَ رسّخها الزمان بدءاً من “بحوره” وقافيته وليس انتهاءً بمرونته التي استوعبت فنون الشعر عند الشعوب الأخرى وهضمتها وبنَتْ عليها ثم تجاوزتها!
لا أحد يجادل في حقيقةِ شعريَّةِ العرب في الثقافة الإنسانية لأن مخزونَ هذا الشعر قوي وثري، أما مقولة أن الرواية المعاصرة في سورية تحديداً، قد ازدهرت في العقد الأخير من هذا القرن، فقول فيه ألفُ سؤال يُطرح، فإلى حينٍ من زمن الإبداع كانت كتابات النقاد تحلل أسباب ازدهار “القصة القصيرة” في الأدب السوري وهي كتابات موضوعية ذهبت نحو أسماء وعوالم مبدعي هذا الجنس الأدبي وهم كثر، كتبوا عشرات القصص ومررواً بمحاذاتها رواية أو أكثر مثل “”حنا مينه” و”هاني الراهب” و”يوسف المحمود” و”عبد الله عبد” وكان للرواية شأنُها في الفضاء النقدي لأنها كانت عالية القامة في الفضاء العربي كما كان الشعر تماماً الذي تجاوز الأقطار الجغرافية ما يجعلنا نتوقّف أمام الازدهار المزعوم الرّاهن للرواية السورية منسوباً للأقلام “الشابة”! هل هناك إلماحةٌ للحرب الطاحنة التي مازالت دائرة على سورية؟ هل هناك إلماحةٌ أخرى إلى ارتخاء يد التقييم، الموصوف بالرقابة، في المؤسسات الرسمية كوزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب وتعددِ دور النشر وترحابها بالنصوص من كلّ “مبدع” ما دام يدفع تكاليف النشر؟ ما أعرفه أن دور النشر الخاصة ما زالت تستأنس بموافقة لجان من المؤسستين المُؤتَمنَتين على سويّة النشر وقيمته الفكرية، لكن كلما قرأت روايةً سورية حديثة، قلت في نفسي: إنّ شروط النشر الخاص فيها بعض التساهل، لذلك أرى هذا النوع من الكتابات التي تفتقر إلى الفن الروائي الرفيع، وما ألبث أن أرى مطبوعات منسوبة إلى المؤسسات الرسمية نفسها وفيها من التساهل مع قيمة ما يُكتَب، يماثل “الخفة” مع المنشورات الخاصة كأن المخطوط لم يمرّ على تقييم حقيقيٍّ أو موضوعي! أخطاء اللغة لا تُحصى! أشكال الصياغة لم تلفت نظر أحد! تمرير “الصحفي” في بنية “الأدبي”! اعتماد “ثرثرة” اليومي شهادةً على العصر! مسوّدات لم يراجعْها “الكاتب” لكنها حظيت بالطباعة مع تاريخ الطبع وحفظ “الحقوق” وعدم استخدام أي جزءٍ من النص إلّا بإذن خطّي من صاحبه أو من جهة النشر!
هذه الظاهرة هي التي تحتاج إلى دراسة موسّعة وتقييم دقيق والبحث عن المسؤول فيها ليجيب عن سؤالٍ أساسي: من وراء هذا الدفق من المطبوعات التي تحمل أيّ سمة، غير صفة الرواية؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار