للمرة الخامسة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، يزور وزير الخارجية الأميركية بلينكن المنطقة، ومن يتابع تصريحاته يحس بأنه يقود مسعىً دبلوماسياً لإنهاء الحرب، ولكن مع كل زيارة له تزداد الهمجية الإسرائيلية النازية في عدوانها على أهل غزة، ويزداد القتل والتدمير والتهجير الصهيوني لفلسطينيي غزة، ومن يدقق في الفعالية الأمريكية يجد أنها تعتمد «الإعلان الصوتي الإنشائي» عن حماية المدنيين، وإدخال المساعدات الإنسانية، ومنع التهجير، وعدم قصف المستشفيات، وهو إعلان محمول على «الادعاء الصوتي» أيضاً بالعمل على أنهاء الحرب، وهذا الإعلان الصوتي الأمريكي، يوازي ويكمل إفساح المجال لـ«إسرائيل» للاستمرار في عدوانها المجرم على غزة، مع تزويدها بالأسلحة والذخائر، وبالتعاون معها بالمعلومات الاستخباراتية، والتقنيات العالية، إنها الاستراتيجية الأميركية التي تستخدم الإعلان الصوتي الإنساني، وادعاء السعي لإنهاء الحرب كغطاء لاستمرار هذه الجريمة الإسرائيلية المجنونة على غزة وأهلها.
هذه الاستراتيجية الأميركية تشغل المنطقة ودولها بطرح حلول للعدوان الإسرائيلي على غزة، ومن يسمع أن بلينكن أو هوكشتاين يقدم حلولاً يحس بأن إدارتهما تسعى للحل فعلاً، ولكن من يدقق في ما يطرح، يجد أنها كلها «حلول مشلولة»، فمثلاً حل الدولتين الذي تردده الإدارة الأميركية ألغى ويلغي الاستيطان الصهيوني إمكانية تطبيقها، وبالفعل بات هذا الحل غير ممكن من الناحية الواقعية، وتحول إلى حل مشلول بفعل ما قام به الاستيطان من نسف أي أسس تسمح بقيام دولة فلسطينية، كما أن طرح تسليم السلطة الفلسطينية، إدارة قطاع غزة حل مشلول أيضاً، لا لأن السلطة الفلسطينية قد جرى إضعافها إلى حد العجز من قبل السياسة الإسرائيلية، بل لأن القوات الصهيونية مستمرة منذ عشرات السنين في الاعتداء على المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، كلها حلول مشلولة من الناحية السياسية، وعاجزة عن التطبيق والتنفيذ على أرض الواقع، وهكذا فإن استراتيجية الحلول المشلولة الأمريكية، هي ما يساعد على إدامة الحرب، وما يتيح لـ«إسرائيل» الاستمرار في قتل الحجر والبشر في غزة.
أما أكثر الحلول مدعاة للاستغراب أو السخرية هو الحل الأمريكي الصهيوني الذي يقوم على «إلغاء المقاومة الفلسطينية» نهائياً، ألم يقل بايدن مردداً ما قاله نتنياهو، إن تسليم المقاومة لسلاحها واستسلامها سيؤدي إلى وقف الحرب فوراً، إنه ليس حلاً للمشكلة ولا يمكن تنفيذه أو تطبيقه خاصة، وإن المقاومة ما زالت تذيق (إسرائيل) الكثير، ما يجعلها تتخبط في حساباتها وأعمالها و سياساتها، إضافة إلى أن الإصرار الشعبي العربي الفلسطيني، يغذي استمرار وإدامة المقاومة حتى استعادة الحقوق الوطنية كاملة.
أمريكا تستمر في تقديم السلاح والذخائر لـ«إسرائيل» كي تمعن في جرائمها ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، كما تستمر بتغطية كل ذلك بطرح الحلول الفاشلة لا يمكن أن تنفذ، وبالتالي لا تؤثر على استمرار الحرب المجنونة، ولا تؤدي لإيقافها بأي شكل، إنها استراتيجية الحلول الفاشلة الأميركية، وهي ليست استراتيجية ضعف الكفاءة، بل هي استراتيجية خبيثة تعتمد الفشل بالحلول بكل الخبيث المجرم.
د. فؤاد شربجي
130 المشاركات