الطب مواسم
على غير العادة لم نجد كثافة مرضى في غرفة الانتظار لدى طبيب العظمية، وذلك عندما رافقنا منذ أيام قليلة صديق كان يشكو من آلام في القدم والاشتباه بحدوث كسر، نتيجة تعثره وسقوطه أثناء متابعته عمل ورشة ترميم في منزله.
ولكوننا نعرف الطبيب مسبقاً، حيث كان موظفاً في إحدى الجهات الصحية العامة قبل عدة سنوات، استفسرت منه عن سبب قلة المراجعين، فذكر أن للاختصاصات الطبية مواسم، ومثل اختصاصه بالعظمية الذي يتركز جلّ عمله بالكسور.. يتضاعف الطلب عليه في فصل الصيف أكثر من بقية فصول السنة، حيث يزداد النشاط الرياضي عامة ولعب الأولاد في الحدائق والأحياء خاصة.
إطلاق مصطلح المواسم في المجال الطبي قد يكون جديداً إلى حدٍّ ما على مسامعنا، لكن بالإسقاط يلاحظ بالفعل أنه ينطبق على اختصاصات أخرى، فطبيب الأنف والأذن والحنجرة تزداد مراجعته من المرضى في فصل الشتاء أكثر من بقية الفصول، نظراً لكثرة أمراض الجهاز التنفسي من كريب ورشح وغيرها، بسبب تقلبات الطقس والخروج فجأةً وبلا انتباه من مكان دافئ إلى آخر بارد، وكذلك الطبيب باختصاص المفاصل التي تكثر آلامها في الجو البارد.
وبعيداً عن مصطلح المواسم فهو في المجال الطبي نسبي إلى حدٍّ ما، وخاصة أن هناك اختصاصات مواسمها دائمة مثل الهضمية والقلبية والنسائية والجراحة وغيرها، فإن معيار المهارة والشهرة لدى الطبيب له دور كبير في مدى كثافة مراجعيه، كما أن ضيق حال الناس مادياً بات يلعب دوراً أساسياً في انخفاض عدد الحالات المراجعة واقتصارها غالباً على الحرجة منها، في ظل أجور الكشفيات الباهظة ومتمماتها من تحاليل وصور شعاعية تطلب كموجهات للتشخيص.
بالعموم، إن التكاليف المرهقة للعلاج بكل مفرداته في القطاع الخاص، وعدم مقدرة معظم محدودي الدخل على احتمالها، باتت تستدعي ضرورة إعادة تفعيل خدمات جهات القطاع الصحي العام من مراكز وعيادات شاملة ومشافي، بعد تدعيمها بالكوادر الطبية والتمريضية والفنية، ورفدها بالمستلزمات والأدوية المطلوبة، لعلها تساهم بحصول المرضى الفقراء على الحدّ الأدنى المقبول من الخدمات والطبية.