الخِلاف والاختلاف

الخلاف والاختلاف بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي لا يُفسد الجريمة الإسرائيلية ضد غزة، بل إنّ للكيان الإسرائيلي الوقت كله و الدعم كله والحماية كلها ليواصل جريمته، وله الدعم الحربي العسكري كله على الأرض، وله الحماية كلها في المحافل الدولية، منعاً لتجريمه، ومنعاً لوقف جريمته، ولذلك لم يكن مفاجئاً أن تحبط الولايات المتحدة مسعىً جديداً في مجلس الأمن الدولي، من أجل وقف العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، وفي الأساس لم يكن من المتوقع سلوكاً مختلفاً منها، وقد يسأل كثيرون لماذا تكلّفت عناء كتابة قرارات وعقد جلسات في سبيل إدانة الكيان إذا كانت النتيجة واحدة ومتوقعة؟
سؤال محق إذا ما وضعنا جانباً مسألة أنّ تلك الجلسات والقرارات هي للتاريخ والحقيقة وللأجيال القادمة، وتأكيداً وتوثيقاً للمجرم الحقيقي ومَنْ يدعمه، هذا عدا عن وجوب أن تتحمل المؤسسات الأممية دورها ومسؤوليتها في حفظ السلام والأمن الدوليين، باعتبارها قامت أساساً من أجل هذا الهدف بعد الحرب العالمية الثانية، وإن كان البعض بات يائساً ومُحبطاً من دورها وعدم فاعليتها، وما تفرضه الولايات المتحدة من ازدواجية معايير تجاه القضايا الدولية، وخصوصاً العربية فهو محق، وإن كان يدعو للتوقف والامتناع عن توسل إدانة الكيان الإسرائيلي من مجلس الأمن الدولي فهو محق أيضاً، ولكن لا نعتقد أنه يجوز الامتناع والتوقف عن التوجه للهيئات الأممية/الدولية، خصوصاً والعالم اليوم متضامن بصورة غير مسبوقة مع الشعب الفلسطيني، ويصطف شعبياً (وسياسياً) خلف حق الفلسطينيين في الدولة والحياة الآمنة المستقرة، والأهم أنه يصطف معاً لوقف الجريمة الإسرائيلية ضد غزة وأهلها، ويدين الدعم الأميركي للكيان، وهذا الاصطفاف العالمي هو تطور مهم للغاية، في تحقيق استمرارية الضغط والدفع باتجاه حل كامل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
كما أنه لا يجوز الامتناع والتوقف عن التوجه للهيئات الأممية/الدولية، والعالم اليوم يعيش حالة انعطاف حاسمة باتجاه التعددية القطبية، وتقويض تحكم الولايات المتحدة بالقرار العالمي، ورهن حالة السلم والحرب لأجنداتها، العالم اليوم متكاتف بصورة مهمة جداً وفاعلة جداً باتجاه تحقيق بعض التوازن العالمي، باتجاه تعزيز حالة السلم والأمن الدوليين، وهذا اتجاه لا يجوز تجاهله ونحن ندافع عن قضايانا ونعمل على تحقيق الانتصار فيها.
أما مسألة الخلاف والاختلاف بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي والتي يتسع الحديث حولها منذ أيام، لا تفسد على الكيان الإسرائيلي استكمال جريمته ضد غزة وبكامل الدعم الأميركي الذي «لا يضع خطوطاً حمراء» أمام الكيان، ولا يطلب منه التوقف.
هذا ما أكدته الولايات المتحدة مجدداً على لسان جوناثان فاينر، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، والذي قال: «التهديد مستمر حتى إذا انتهت الحرب اليوم، ولهذا السبب لا تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل التوقف»
«هذه ليست مهمتنا، هذا صراعهم»، بمعنى أنه ليس من مهام الولايات المتحدة أن تطلب من الكيان الإسرائيلي التوقف، ويضيف فاينر: «لدينا تأثير ونحن نحاول استخدامه لتوجيه الصراع بأكثر الطرق البناءة الممكنة».
هذا يعني أن لا  خلاف على الجريمة، ولا على حجمها، ولا على طرق تنفيذها، ولا على من تستهدفه، إنما على كيفية الاستفادة منها وتوجيهها نحو مسارات أكثر نفعاً بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، وهذا مرده الأساسي أن الولايات المتحدة تسعى لضبط جبهة غزة بالصورة التي لا تتسع فيها خارج الخطوط التي رسمتها، وبما ينعكس بصورة كارثية على التواجد والنفوذ الأميركي في المنطقة، أما الكيان الإسرائيلي فيسير بعكس هذا الاتجاه، حتى يبدو أحياناً أنه يعمل بصورة ممنهجة على توسيع جبهة غزة، وجر الإقليم إليها، وتالياً جر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية ليس لها مصلحة بها، أقله في المرحلة الحالية حيث يتضاعف عدد المزاحمين الدوليين لها في المنطقة، مع ميل متزايد للدول فيها باتجاه المزاحمين، وباعتقادنا هذا هو صلب الخلاف والاختلاف، وهو كما قلنا لا يفسد العلاقة بين الولايات المتحدة وكيانها، ولا يمنع ولا يحد ولا يقلل من الدعم الأميركي للكيان وجريمته ضد غزة.

وبالرغم ما يتم تسريبه عن مُهل أميركية للكيان الإسرائيلي لإنهاء عدوانه على غزة، إلّا أنّ الولايات المتحدة تعيد في كل مرة القول بأنها لا تضع مثل هذه المهل، وتقول «لسنا قريبين من التوصل لوقف إطلاق النار» لكنها تكذب في الأولى وتصدق في الثانية.
فهي بلا شك تريد إغلاق جبهة غزة، ولكنها لا تستطيع، لأن الكيان لم يحقق أي من أهدافه، أما الحديث عن مُهل فهو مسار تحذيري للكيان بأن الحرب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، ففي ذلك عواقب قد لا تُحمد عقباها، ولا قِبل لها (ولا للكيان) بحرب إقليمية، ولا بد من التوقف، وحفظ ماء الوجه بالقول إنّ «الانتقام» تحقق بما تم إحداثه من قتل ودمار في غزة.
أما مسألة «أن التوصل لوقف إطلاق النار ما زال بعيداً»، فيبدو أن هذا ما تراه الولايات المتحدة تبعاً للسلوك الإسرائيلي، ووفقاً لمسألة أنه لا يمكن وقف إطلاق النار، فيما النتائج المتحققة لم تراوح عتبة الصفر، وهذه معضلة.
فكيف تنهي الولايات المتحدة وكيانها الحرب على نتائج صفرية؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار