«طوفان الأقصى» تتدحرج إقليمياً.. «إسرائيل» توسع جريمتها.. وواشنطن سترسل «إيزنهاور» بعد «فورد».. هل غزة دولة كبرى أم أن أميركا تتحضر لـ«حرب كبرى»؟!
تشرين – مها سلطان:
في اليوم الخامس لعملية «طوفان الأقصى».. بدا أن الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع احتواء تدحرج التطورات نحو «حرب إقليمية» فيما بدأت النظريات تتدحرج بدورها باتجاه أن أميركا التي باتت شبه متأكدة من انضمام جبهات أخرى إلى «طوفان الأقصى» دخلت مرحلة التحضير لكيفية قلب الأوضاع لمصلحتها، بمعنى الاستثمار في الحرب الموسعة المحتملة، وبدلاً من أن تكون ضدها وضد الكيان الإسرائيلي، لا بد أن تصبّ كلياً لمصلحتها، خصوصاً أنها تاريخياً أفضل من استثمر في الحروب والأزمات.
لا شك أن الدعم العسكري الأميركي المُعلن للكيان الإسرائيلي في مواجهة قطاع غزة يطرح أسئلة كبيرة، إذ إن القطاع كمساحة وتموضع وكوضع إنساني، هل يستدعي أن تحشد أميركا حاملتي طائرات، حيث إن حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد آر فورد» وصلت اليوم، فيما حاملة ثانية تستعد للانطلاق وهي «دوايت ايزنهاور» إذ من المتوقع أن تصل خلال أسبوعين، وكلتاهما ستستقران قبالة السواحل الفلسطينية (قبالة إسرائيل).. يأتي ذلك بالتزامن مع ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن خلال اتصال هاتفي مع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، بأن أميركا مستعدة لنشر المزيد من القوات في المنطقة، ولكن من دون تحديد في أي دول أو مناطق، علماً أن لديها من القوات ما يكفي ويزيد، عدا عما تحمله حاملتا الطائرات فورد وايزنهاور من آلاف المارينز والطائرات المقاتلة والطرادات والمدمرات والسفن المرافقة.
هل الـ 150 كلم التي يتوضع عليها قطاع غزة تحتاج كل هذا التحشيد وكأن غزة تحولت فجأة إلى دولة كبرى، هل أن استعادة «الهيبة» الإسرائيلية وانتشالها من عار الهزيمة التي لحقت بها بطوفان الأقصى يستدعي كل هذا التحشيد، أم أن هناك قناعة تامة لدى أميركا بأن الكيان الإسرائيلي هو فعلياً في المرحلة الأخيرة ما قبل النهاية ولن يستطيع تجنب هذا السيناريو إلا بهذا المستوى من التحشيد العسكري الأميركي؟
على المقلب الآخر، مقلب النظريات آنفة الذكر، لا تقل الأسئلة أهمية وخطورة.. هل أن أميركا تتحضر لحرب كبرى في المنطقة ضدها (وضد الكيان الإسرائيلي) أطلقتها عملية طوفان الأقصى، أم أنها هي من يُحضر لهذه الحرب، وعلى قاعدة أنها هذه المرة ستكون حرباً ساحقة، وأنها لن تكتفي فقط بالضغوط والتهديدات، كما حدث خلال حرب تشرين التحريرية 1973, بمعنى أنها لن تكتفي بالدعم العسكري فقط للكيان الإسرائيلي والمترافق مع التهديدات والضغوط والتفاوض، بل هي ستعتمد الحرب «رداً» على الحرب.
أيضاً.. هل أن أميركا، التي باتت مُحاصرة في المنطقة مثلها مثل الكيان الإسرائيلي، سواء من داخلها – داخل المنطقة – أو دولياً من قوى عالمية كالصين وروسيا، باتت فعلاً بحاجة لحرب، موسعة أم محدودة، تعيد رسم وتحديد موازين القوى والمصالح بينها وبين بقية الأطراف، أو تحسمها نهائياً لمصلحتها.. وماذا عن دول المنطقة والإقليم بالعموم؟
المعروف للجميع أن أميركا لم تعمل يوماً من أجل السلام، في منطقتنا ولا في أي منطقة من العالم، وعليه فإن الهدف هو الحرب والعدوان. ومن هنا ينطلق سؤال: هل أن أميركا هي من ستبدأ الحرب الموسعة دون انتظار أن تتدحرج كنتيجة لتطورات عملية طوفان الأقصى، وإذا ما افترضنا أن ذلك صحيح، كيف ستبدأ ومن أي نقطة، من أي منطقة، من أي دولة؟
الجواب تتقاسمه عدة مناطق، إذ إن كل جوار غزة مُرشح لأن يكون هدفاً.
ولكن هل أميركا واثقة من الفوز في أي حرب أو مواجهة؟
فعلياً، لا يفترض بها أن تكون واثقة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن صدمة طوفان الأقصى وصلت إليها، وأنها وقفت خلال اليومين الأولين منها مذهولة مصعوقة لهول ما كانت تتناقله الفضائيات، والبطولات التي كان أبطال المقاومة الفلسطينية يوثقونها ويبثونها لكل العالم، لقد كانت «إسرائيل» المهزومة المرعوبة وجيشها الذي اختبأ في الثكنات وخلف الجدران شاهداً حياً، على أنها «أوهن من بيت العنكبوت» وأن أميركا عاجزة كلياً عن انتشالها بصورة فورية، وحتى اليوم ما زالت كذلك، رغم كل ما يمارسه الكيان الإسرائيلي من جرائم حرب ضد قطاع غزة وأهله منذ يوم الأحد الماضي، محولاً غزة إلى أرض محروقة، ومع ذلك فإن أميركا تواصل التحشيد العسكري الاستراتيجي.
أيضاً لا يفترض بأميركا أن تكون واثقة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الصدمة التي حققها طوفان الأقصى لا تتوقف فقط على المباغتة والمفاجأة والتكتيك، وبطولات التقدم والقدرة على استعادة الجغرافيا والتثبيت فيها ولو لأيام قليلة.. الصدمة كانت بقوة السلاح، بالقوة النارية، بالقوة الصاروخية التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية..
ولتسأل أميركا نفسها ماذا عن قوة الأطراف الأخرى في المنطقة (محور المقاومة) والمتهمة بأنها هي من يدعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح، فإذا ما كانت هذه هي قوة المقاومة التسليحية فكيف ستكون عليه قوة الأطراف الأخرى الداعمة؟
ثم إن أميركا تدرك بلا شك أنها ليست وحدها من يفرض «مرمى النار» على الآخرين في المنطقة، هي أيضاً في مرمى النار وبصورة أعمق وأخطر، وعليه فإن على أميركا أن تحسبها جيداً هذه المرة، وإلا فإن العواقب الوخيمة سترتد عليها وعلى الكيان الإسرائيلي بصورة أكبر وأسرع مما تعتقد.
وفيما أعلن الكيان الإسرائيلي انتقاله إلى مرحلة «الهجوم واسع النطاق» مُصعداً جرائمه ضد أهل غزة على مرأى من العالم وأممه المتحدة، فإن الأيام المقبلة ما زالت تنطوي على الكثير جداً من المفاجآت، بعضها متوقع، والآخر بانتظار التحركات الأميركية.. وكل السيناريوهات واردة.