الخيطُ الرفيعُ

هل للرواية عمرٌ افتراضيّ؟ المنطق يقول: لا! لأن الرواية تتخطّى الأزمنة، وتبقى محتفظةً بروائها كلما مرّت الأحقاب والأزمنةُ عليها، تتجدد مع قرائها، والنسغ فيها أخضرُ لا يجفُّ.
الكاتب كبيرٌ ومشهورٌ ومبدع، لكن بين أعماله روايةٌ تحكي عن محطات كهربائية أقيمت بمنطقةٍ خاملة جنوب البلاد، وترصد الوعي الاجتماعي والسياسي لسكان تلك المنطقة مضطرةً لمجابهته بالتنوير الفكري، فإذ بالشخصيات تتحول إلى مجرّد ناطقة بأفكار الرفض أو الشك أو التشبث بالآبار الموجودة من أيام الآباء، والبناء الروائي يتوقّف لمصلحة جدلٍ كأنه يجري في قاعة تُلقى تحت سقفها محاضراتٌ تعليمية على عمالٍ بسطاء يجب إقناعهم بضرورة التحوُّل إلى أسلوبٍ جديد ينقلهم إلى عصر مهني أحدث!
النقاد لم يغب عنهم مثلُ هذه الأعمال الأدبية التي وصفوها بالأعمال «الإيديولوجيّة» وعدّوا أنها من الأدب الضعيف أو المتألّى عليه، رغم أن كلَّ أدبٍ يقوم على «الإيديولوجيا» ولا يستطيع الانقطاع عن زمنه والأفكار التي يحملها الكاتب في علم الاجتماع واللغة والسياسة و«الرسالة» التي يقدمها في مؤلفاته! وحين تمر في الذاكرة جموع الأعمال الأدبية الإنسانية وراء هذه اللمحة «النقدية»، ستحضر الروايات التي ناهضت الحروب، لكنْ، كلٌّ على طريقتها: «الحرب والسلام» للروسي تولستوي، و«لمن تُقرع الأجراس» للأمريكي همينغواي بل وحتى « صمت البحر» للفرنسي «جان بروليه» التي نشرها باسم مستعار هو «فركور» (لسبب إيديولوجي أيضاً) قبل أن تنتشر باسمه، وتصبح رمزاً للمقاومة الفكرية ضد النازية، إضافة إلى الأدب الفلسطيني الذي أنتج القصيدة والقصة والرواية والأغنية، وبات بقوَّته ومصداقيته في مقدمة آداب الشعوب، فكيف لمثل كل هذه الأعمال أن تحمل «الإيديولوجيا» ومع ذلك تنجو من الرتابة وشحوب الفن الذي تهفو إليه النفس بعيداً عن الواقع الفج؟ إنه من دون شك «الانفكاك» الواسع والانزياح في الحدود بين العالَميْن تماماً مثل مزج الألوان الذي يضيّع الأصلي، ويعطي الجديد، كأنه هو الآخر جديد وأصلي!
لا تصمد الأعمال الإيديولوجية الصريحة، طويلاً أمام الزمن، بل تصطف بجوار الخطب النارية والشعارات التي أُطلقت في وقتِ الحدث، فكيف إذا مرّ زمن طويل عليها، وتبدلت الوقائع، وأزالت حتى الأحلام، بَلْهَ التوقعات العالية؟ أما القارئ فسيشعر ولو بشكل غائم أن مثل هذه الأعمال جاءت بقالبٍ جاهز وضَعَت فيه «الأحياء» والأفكار المهَندْسة أصلاً، لذلك غابت مرونةُ التحريك و«اللعب» الفني العالي الذي يعطي الأدب تلك الأجنحة الواسعة، تحلق في عوالم أخاذة، هي في النهاية سحرُ الأدب وتأثيره وسرُّ ديمومته!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة دور المرأة المقاومة في تعزيز الانتماء وتحصين الهوية