خرقٌ في مسار

خرقٌ في مسار كان لأيام قليلة عصيّاً على الخرق، هذه قراءة أوليّة وظاهريّة للاتفاق الإيراني- السعودي برعاية صينية.. مسار شابهُ الكثير من الاتهامات والخلافات والاختلافات حطّ اليوم في مرحلة يُمكن عدّها بين مرحلتين، مرحلة سابقة معروفة للجميع ومرحلة مرتقبة ومفتوحة على تساؤلات وتطورات، إذاً لا يمكن الحسم في هذا الملف تحديداً حتى لا نغالي في التفاؤل.
عدة نقاط وجوانب يمكن مناقشتها في هذا الاتفاق، أبرزها القوة الصينية في سياق المنافسة العالمية مع واشنطن.. هنا تخطت بكين وبثبات مطلق «الخطوط الحمراء» الأمريكية، إذ تنظر واشنطن إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها «منطقتها الخالصة» وضمان استمرارية السيطرة يتم بتسعير الخلافات، لتأتي بكين وتخرق القاعدة بالتوفيق بين طرفين جارين حاجتهما للتوافق أكبر بكثير لخدمة أمن واستقرار شعوبهما وأمن واستقرار المنطقة وشعوبها.. وبينما الولايات المتحدة تستفز الصين في محيطها الحيوي وعبر تايوان، فإن بكين ترسم خطوط معادلات إقليمية جديدة غرب آسيا من شأنها إذا سارت لخواتيم مقبولة لجميع الأطراف أن تغير شكل المنطقة، ولاسيما في سياق التحالفات القائمة وحتى الخلافات، ومن شأنها أن تضع الصورة الأمريكية من حيث الهيمنة والنفوذ الممتد على المحك.
لعبت واشنطن في تسعير الخلافات السعودية- الإيرانية على الفتنة الطائفيّة والمذهبيّة، ومع الاتفاق السعودي- الإيراني يمكن عدّ أن بكين أسقطت هذه الورقة التي استخدمتها أمريكا شمّاعة وفزاعة.. ومن منظور التنافس الصيني- الأمريكي، فإن بكين أمسكت بورقة مهمة جداً وفي «المنطقة الخالصة» لأمريكا في حين الأخيرة خسرتها وبات عليها البحث عن أوراق جديدة، فمن المؤكد أن واشنطن لديها أوراق وعلينا أن نراقب ماهيتها خلال الشهرين المقبلين، وهي المدة المحددة لفتح السفارات بين طهران والرياض.
تنفتح مسارات الحلول والحوار في المنطقة وبين دولها وما كان منذ مدة من المستحيلات أصبح ممكناً، وتتراجع مسارات الحروب، أقله هذا الظاهر، وأقله حتى تتخذ الاتفاقات كالاتفاق السعودي- الإيراني ملامحه الواضحة والناجزة ولاسيما أنه بناءً عليه تتحدد علاقات أخرى، وبناء عليه يخمد صوت السلاح كما هو متوقع في اليمن وغيرها، وتتغير مجريات الحرب الكونيّة على سورية.
أياً يكن أمر الاتفاق وما بعده، فإنه خطوة كبيرة وانتصار للصين وانتصار لعلاقات دولية واقتصادية يحتاج بناؤها علاقات سلميّة بعيدة كل البعد عن الخلافات والحروب، وقريبة من الأمن والاستقرار.. ويحسب للرئيس الصيني شي جينغ بينغ هذه الخطوة بُعيد إعادة انتخابه رئيساً للبلاد ورئيساً للجنة العسكرية المركزية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار