لوحة التحكّم بيد الكبار
لاتزال الضحكات البريئة والصادرة من القلب تعيدني إلى ذكريات الطفولة كلما لمعت في السماء أوراق ملونة وذيل متعرج لطائرة ورقية تمسك بخيطها فتاة صغيرة وتركض في المرج وكأنها تطير وتحلّق على نغمات الريح العذبة.. لكن اللعبة الورقية تطورت إلى طائرة صغيرة يسيرها جهاز التحكم الصغير..إلّا أن تغييراً آخر قد طرأ على اللعبة ، فالخيط هذه المرة لم يعد بيد الصغار، وتم اختطاف لوحة التحكم من قبل الكبار، وبعدها لم يعد مستغرباً ضياع الضحكات البريئة وذبول المرج الأخضر..
لم تتغير السماء منذ ملايين السنين، ولم تتغير الأرض، وبقي المرج واسعاً وفسيحاً والصغار يزهرون من بذور القلب وتلك التقنيات الحديثة التي يعتقد أنها حملت الرفاهية بيد كانت تخفي باليد الأخرى الكثير من الدمار والموت والظلمات، وتمت استباحة كل الحواس، حتى الذكريات لم تسلم من محاولة التشويش والتضليل ترى من هو المسؤول عن هذه الحال؟ هل هو الجهل في استخدام التقنيات أم إنه الاستهتار بالحياة الإنسانية..
يقال إنّ الحرب اليوم صارت حرب الطائرات المسيّرة تلك التي لو كانت لا تزال لعبة جميلة بيد الصغار وبدلاً من حمل عبوات الموت لو أنها كانت تحمل الزهور والحلوى والعلاج والدواء لهؤلاء الذين يعيشون في مناطق بعيدة ويجدون صعوبة في توصيل بعض احتياجات معيشتهم..
جاء ذلك اليوم الذي بات علينا أن نحمي صغارنا وسماءنا من الطائرات الغريبة ونصرخ بصوت يرج ما بين السماء والأرض: انتبه يا بني.. حذار من الاقتراب إنها خطر الموت إنها من ابتكارات العصر التقني والذكاء الصنعي الذي اخترع وسائل جديدة لترهيب الأطفال ..تعال يا صغيري نجمع الأوراق من جديد ونحضر الشرائط الحرير الملونة ونصنع طائرتنا الورقية الجميلة التي تحملها الريح وأنت خذ الخيط لا تفلته أبداً واركض كحصان بري في المرج الأخضر كانت أمك وأبوك وأصدقاؤهم يفرحون كثيراً بهذه الألعاب وخذها مني نصيحة لا ترمِ الماضي كله خلف ظهرك، فهناك ستجد بقية من تراث وقيم وأخلاق تجلب لك السعادة.