زيارة لطمأنة العملاء والتابعين

لا يمكن أن تطأ قدم جندي أمريكي خارج أراضي بلاده بأمر من قيادته العسكرية من دون أن تكون هناك مصلحة أمريكية في الأمر، ولا يمكن أن ترسل أمريكا جنودها إلى خارج حدودها من دون أن تكون لها مصلحة في ذلك أيضاً، فلا عبارات ولا خطابات واشنطن باتت تنطلي على أحد بأنها ترسل جنودها آلاف الأميال لمحاربة الإرهاب أو لنشر «الديمقراطية»، وما الوجود العسكري الأمريكي في الخارج إلّا احتلال لأراضي الغير.
قبل يومين حضر رئيس هيئة الأركان الأمريكية مارك ميلي إلى قاعدة عسكرية أمريكية غير شرعية في شمال شرق سورية، ولربما كان هناك تشابه كبير بين هذه «الزيارة» غير المعلنة مسبقاً، والزيارة التي سبقتها للرئيس الأمريكي جو بايدن المفاجئة أيضاً إلى أوكرانيا، ولعلّ الرابط بينهما هو «طمأنة الحلفاء» وتقديم أكبر مستوى من الدعم الشكلي بسبب العجز عن تقديم المزيد من الدعم العملي، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثقة هؤلاء الحلفاء والتابعين المتراجعة أصلاً إلى درجة خطرة تنذر بالانفلات من القبضة الأمريكية في عدة حالات وحدوث انفلات فعلي في عدة ملفات.
في قراءة حيثيات هذه الزيارة وقبل الدخول في ذلك، لابدّ من التوضيح بأن الولايات المتحدة «تحارب» على جبهات عدة في معاركها الإقليمية للحفاظ على هيمنتها، للاستمرار في الحفاظ على عرشها العالمي للقطبية الأحادية.
فعلى الصعيد العالمي، فإنّ المعركة الإقليمية الأبرز لأمريكا وأكثرها تشابكاً مع معركتها العالمية، هي المعركة في الشرق الأوسط، لأن السيطرة على منطقة الشرق الأوسط من وجهة النظر الأمريكية هي ضرورة للسيطرة على أوراسيا، وهي الضمانة الوحيدة لهيمنتها على العالم، وبالتالي تتشابك المعركة في هذه المنطقة مع المعركة الدولية، بما يجعل من تصعيد الصراع في المنطقة يصل إلى نذر حرب عالمية، والعكس حيث تصاعد الصراع الدولي قد يسبّب حرباً إقليمية.
أما على صعيد زيارة ميلي، فإنّ الإدارة الأمريكية تريد من خلالها أن ترسل إشارات عبر مبعوثها العسكري لطمأنة حلفائها في الكيان المؤقت وعملائها من ميليشيا «قسد»، ليقول إن الاستمرار في احتلال مناطق من سورية «يستحق المخاطرة»، تحت ذريعة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، وهي ذريعة أصبحت غير قابلة للتصديق – كما سبق أن قلنا- فالمنطقة الإستراتيجية التي تحتلها القوات الأمريكية، إضافة إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تنبئان بأسباب أخرى للبقاء هناك، وخاصة أن المنطقة هي طريق بإمكانه وصل محور المقاومة بعضه ببعض، من العراق إلى لبنان مروراً بسورية، وأن الولايات المتحدة لن تسمح بقواعد عسكرية روسية في سورية من دون أن يكون لها نفوذ مكافئ في تلك المنطقة المهمة للمشروع الأوراسي في غرب آسيا.
daryoussi@hotmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار