رحلة قياس الزلازل من «ميركالي» إلى «ريختر»

تشرين- رنا بغدان:
لم يكن ابتعاد “بينو غوتنبرغ” عن الأضواء وإعراضه عن المقابلات التلفزيونية واللقاءات في الصحف والمجلات العلمية إلا سبباً ساهم في شهرة شريكه “ريختر” والتصاق اختراعهما لجهاز قياس قوة الزلازل, الذي يعتمد على قياس كمية إزاحة الأرض بواسطة الموجات الزلزالية, بإسمه, كما كانا قد ألفا معاً كتاب (زلزالية الأرض والظواهر المرتبطة بها), وكتاب (علم الزلازل الأولي).
وقبل اختراع “مقياس ريختر” كان هناك ما يسمى بـ”مقياس ميركالي” عام 1902 نسبة إلى الجيولوجي الإيطالي “جوسيب ميركالي”. وكان ذلك المقياس يستخدم الأرقام الرومانية ومقسم إلى 12 درجة اعتماداً على كيفية استجابة المباني والناس للهزة, وكانت المشكلة الواضحة في “مقياس ميركالي” اعتماده على مدى قوة تشييد المبنى, وصعوبة تقييم الزلازل التي حدثت في المناطق النائية ذات الكثافة السكانية المنخفضة, واعتماده في قياس الزلازل على قوة تأثير الاهتزاز الناتج عنه وعن مستوى الأضرار التي يخلفها الزلزال.
وبعد ذلك كان العالمان قد تمكّنا من تصميم جهاز قياس الزلازل “ريختر” لقياس كمية إزاحة الأرض بواسطة الموجات الزلزالية ووضعا مقياساً لوغاريتمياً لقياس الشدة, وقد تبنى علماء الزلازل المقياس بعد نشره عام 1935 بسرعة لاستخدامه في قياس شدة الزلازل بحيث يعتمد على قياس الجانب الكمي للزلزال وحساب مقدار الطاقة المنبعثة منه لمعرفة حجمه، علماً بأنّ الفرق بين درجات مقياس ريختر يعد كبيراً جداً فالفرق بينَ كل درجة تساوي عشرة أضعاف سعة الدرجة التي قبلها، وما يقارب 31,7 ضعفها في الطاقة. ولا يظهر الجهاز إلا فكرة تقريبية عن التأثير الفعلي للزلزال، كما أن أرقام الزلزال يختلف تأثيرها باختلاف طبيعة الأرض وتركيبها في المنطقة التي يضربها.
يذكر أن “تشارلز فرانسيس ريختر” (1900- 1985) هو عالم زلازل وفيزيائي ألماني المنشأ أمريكي المولد بدأ في عام 1928 العمل على شهادة دكتوراه في الفيزياء النظرية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وعُرض عليه قبل حصوله عليها منصب في معهد كارنيجي في واشنطن, أحب علم الزلازل (دراسة الزلازل والأمواج التي تنتجها في الأرض) وعمل بعد ذلك في مختبر الزلازل الجديد في “باسادينا” تحت إشراف “بينو غوتنبرغ” اللذين طورا معاً عام 1932 مقياساً للأحجام النسبية لمصادر الزلازل سُمي “مقياس ريختر”, وفي عام 1937 عاد إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا حيث قضى بقية حياته المهنية، وأصبح في النهاية أستاذ “علم الزلازل” في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 1952, وقدم العديد من المساهمات المتخصصة في علم الزلازل نذكر منها:
“قوانين الزلازل” التي تعنى بقواعد بناء مبانٍ تتحمل الزلازل في المناطق التي تتعرض لها باستمرار، ووضع قوانين خاصة لتدريب الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الزلازل. و”مصفوفة الزلازل” لمنطقة جنوب كاليفورنيا؛ وهي شبكة من الأدوات التي تستخدم لتتبع شدّة الزلزال وأصله وتحديد مقدار تواتره في المنطقة…
أمضى ريختر عامي 1959 و1960 في اليابان كباحث في برنامج “فولبرايت”, وانخرط في ذلك الوقت من حياته المهنية في مجال هندسة الزلازل من خلال تطوير قوانين البناء للمناطق المعرضة للزلازل, وقد أزالت حكومة مدينة لوس أنجلوس العديد من الزخارف والبروزات من المباني في الستينيات نتيجة لحملات التوعية التي قام بها ريختر, وذكرت المدينة أن تحذيراته كانت مهمة في إنقاذ مئات الأرواح في زلزال (كاليفورنيا) عام 1971 وقد ظل تشارلز ريختر متابعاً لظاهرة الزلازل وتصاميم السلامة إلى ما بعد تقاعده من عمله عام 1970.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار