مدّخَرات

كم من أشياء لازمت حياتنا ثم تحوّلت إلى مقتنَيات نسميها “أنتيكا” لأنها لم تعد صالحة للاستخدام اليومي، النفعي! وأنا أعبر أحد الأسواق الشعبية المزدحمة، كانت حصّالات النقود المعدنية الملونة مكوّمة على الرصيف لا تلفت نظر أحد وخاصة الأطفال الذين صُمّمت، في الماضي، لأجلهم، وفي الواقع هي لم تعد تملك أيّ سرٍّ من أسرار الجاذبية مقارنةً بغيرها من الألعاب، لأنها لا تعدو كونَها علبة أسطوانية رقيقة الجدران وعليها رسومٌ غير متقنة، ولا تشبه “مطمورة” أيام زمان الفخارية إلّا بالشقّ الذي يسمح بمرور القطعة النقدية المعدنية، التي باتت هي الأخرى “أنتيكا” تتعذّر مشاهدتها بين الأيدي في كلّ الأمكنة: البيوت والدكاكين ووسائل المواصلات وحتى لدى هواة جمع العملات التذكارية، تشبُّهاً بجامعي الطوابع، هي التي كانت التضحيةُ بها وكسرُها لحظةَ سعادة، لأن “التجميع” فيها كان بغير إحصاء عدد قطع النقود، وحين تمتلئ يتوجب كسرُها لمعرفة كمية المدّخرات واستخدامِها في شراء شيء مرتَجى كالحلم، وما أكثر أحلام الطفولة التي كان الأهلُ يعلّمون بها الأبناء على الصبر وانتظار تشكُّلِ الغيمة قطرةً، قطرة، قبل أن تمطر على حقلٍ فيه بذور!
أجمل “مطمورة” عرفتها، كانت مع أمٍّ في أحد معارض الكتاب، وكانت تصطحبُ معها طفليها، وهي تتفحّصُ أجنحة الكتب والرفوف والعناوين وتسأل عن الأسعار وتحاور الطفلين في أهمية شراء هذا الكتاب أو ذاك، وحين وقفنا معاً في المقهى المرتجَل تحت ظلال أشجار المعرض، لتقدم لطفليها عصير النزهة التي انتظراها عاماً كاملاً، قالت إنها معلمة مدرسة، وزوجها موظفٌ بسيط الدخل، وفي طفولتها عرفت اليُسْرَ ومطالعة الكتب، واصطحبت كتبها إلى بيتها الزوجي، لكن الحاجة إلى الكتب تنمو كل يوم، وهي لا تعيش رفاهيةً تسمح لها بزيارة المكتبات بشكلٍ دوري، بل تنتظر المعرض السنوي الذي يخفّض سعرَ الكتب ويجعلها تفوز بثلاثة أو أربعة كتبٍ أخرى بسبب التخفيض، وقد أعلمَتْ طفليها بذلك، وكانت فكرة “المطمورة” مثالية كي تقتني العائلة مزيداً من الكتب!
كان ذلك أواخرَ القرن الماضي! والمشهد الحاضر في ذاكرتي، لا يني يسطع مثلَ مصباحٍ مبهر، رغم كلّ تحولات الزمن، أو ربما بسبب تحولات هذا الزمن! منسيّةً صارت حصالات الادخار، ومنسيّةً تلك التقاليد التي تكبح جماح اللهفة إلى التملكِ السريع، فكيف بالكتاب المظلوم الذي توارى هو الآخر وراء كل الأوليات، وما عادت تُقام من أجله أبسط الطقوس، ومنها الادخار الذي تعلمتْه البشرية وأتقنته لتستطيع أن تكون أقوى وأفضل!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
وزارة التجارة الداخلية تحضر لانتخابات "الغرف"..والوزير  يشدد على الشفافية والمسؤولية واتباع ضوابط دقيقة المقداد يتسلم أوراق اعتماد السفير غير المقيم لنيكاراغوا لدى سورية فنزويلا ترفض «التقرير الأولي» للأمم المتحدة: عمل دعائي يخدم مصالح اليمين المتطرف أحلام الغرب بالضغط على روسيا سقطت.. قوات كييف تتقهقر في كورسك.. موسكو: الهجوم الأوكراني سيوقف مفاوضات السلام لفترة طويلة هاريس و«ظل» بيلوسي الحاكم.. بيانات مالية مخيبة للديمقراطيين: ترامب الأفضل الهند تضع خطة خمسية للحد من تغيرات المناخ تطوير ضمادة «كهروضوئية» لتسريع التئام العظام المكسورة للتضييق على الرد الإيراني.. زحمة موفدين أميركيين إلى المنطقة وطاولة مفاوضات جديدة تُعقد غداً.. المنطقة تغرق في حالة عجز كاملة عن توقع الآتي والتشاؤم يسيطر هل هذا دعم للثروة الحيوانية... سعر المادة العلفية لدى مؤسسة الأعلاف أغلى من أسعار التجار؟ لتأمين حاجة السكان من الخبز.. استمرار العمل في مخبز الحسكة الأول