القطاع الصحّي بحاجة إلى “إسعاف سريع”… لا إنعاش ولا انتعاش إلّا برفع العقوبات كلياً

تشرين- بادية الونوس:
بالكاد خرج السوريون من نفق حرب دامت سنوات ، حتى أتت كارثة الزلزال المدمر والتي تعدّ أسوأ مرحلة واجهتها وتواجهها البلاد ، ليبدو أول القطاعات في المواجهة القطاع الصحي، هذا القطاع الذي استنزفته سنوات الحرب ، لتأتي كارثة الزلزال وتكشف واقع العمل وما يعاني منه هذا القطاع من نقص في المستلزمات وأجهزة خارج الخدمة ، هذا القطاع الذي صمد طيلة سنوات الحرب، لكن من المؤكد أنه غير قادر على تقديم خدماته للمتضررين من فاجعة بحجم زلزال (يضرب البلد) ، وهذا يعود لأسباب خارجية باتت معروفة للجميع تتعلق بالحصار والعقوبات أحادية الجانب الجائرة و التي يرفضها المنطق الإنساني وكل ضمير حي على هذه البسيطة ، ولأسباب داخلية تتعلق بسوء التخطيط وهذا ما يتحمله المعنيون عن وضع خطط قبل وأثناء وبعد حدوث الأزمات.

عباس: بالتأكيد غير قادرين على تلبية أعداد كبيرة في حال حدوث أي طارئ بسبب نقص في المستلزمات حتى أبسطها

يرى أهل الشأن أن الدعم الذي يتلقاه هذا القطاع ولا سيما في هذه الظروف مهم جداً ويعد حلاً إسعافياً ،لكنه لن يرمم النقص الحاصل لقطاع متهالك استنزفته الحرب اللعينة ، فكيف في حال النهوض بالقطاع الصحي ككل..؟!

على أرض الواقع
شعوران تشعر بهما لدى مراقبة العمل في القطاع الصحي، أولهما الحزن والغصّة لما آلت إليه هذه البلاد ، والثاني الفخر والبطولة لما تقدمه الكوادر الطبية من خدمات جليلة وبإمكانيات بسيطة وطاقم طبي محدود.
من إحدى الحكايا ما رواه لنا د. أحمد عباس مدير عام مستشفى دمشق ” المجتهد” ، فأثناء زيارة لوفد صحي من إحدى المنظمات الدولية للمستشفى وبعد اطلاعه على واقع العمل، سأل الوفد عن عدد الخدمات التي يقدمها المستشفى للمراجعين ، هل تتجاوز العشر خدمات ..؟ ليجيبه الطبيب المناوب : نحن نقدم الخدمة لـ 150 مراجعاً خلال الفترة الصباحية فقط، فهذا لوحده مؤشر على حجم الضغط والمسؤوليات الكبيرة التي تقع على عاتق هذا القطاع ،رغم ما يعانيه من نقص بالموارد والمستلزمات و ضعف بالاستجرار للمواد والتجهيزات.

رفع العقوبات المؤقت حقيقة لا يشمل أغلبية المستلزمات الطبية المطلوبة، ولن يرمّم النقص الحاد الذي يعاني منه القطاع الصحي

يؤكد د. عباس أنه لا يخفى على أحد أن القطاع الصحي لديه تحديات كبيرة تعرقل تقديم الخدمة العلاجية اللازمة، لأسباب، أولها عدم رفده طيلة سنوات الحرب بمستلزمات وأدوات علاجية وأجهزة أو حتى قطع غيار للأجهزة المعطلة، بسبب الحصار الجائر الذي يمنعنا من التحرك لاستجرار أي مادة دوائية ، أو حتى مستلزمات من أي شركة كبيرة ،وحتى لو وافقت الأخيرة على تزويدنا تبقى شركات النقل عاجزة عن تلبيتنا بسبب العقوبات .
وأضاف د. عباس : إن المشفى في الحالة الطبيعية يقدم الخدمة على سبيل المثال لعدد محدود من المراجعين ، مثلاً لـحالات الكسور التي تحتاج لمواد التثبيت الخارجي، لكن في حال راجعنا عدد كبير بالعشرات لحدث طارئ (كفاجعة الزلزال ) ، بالتأكيد غير قادرين على تقديم الخدمة لهم لأننا نعاني نقصاً كبيراً في المستلزمات ، حتى على مستوى مواد التثبيت الخارجية للحالات التي تراجعنا من المصابين ولديهم كسور وتحتاج إلى تثبيت خارجي .
ومن المعروف أننا نقدم الخدمة لكل المحافظات السورية دون النظر إلى وقوع المنطقة تحت سيطرة الدولة أو المجموعات المسلحة ، ومع ذلك تطولنا العقوبات حتى من المنظمات الدولية التي تقدم الدعم للمناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة .
وتساءل د. عباس : هل نحن قادرون على استيعاب هول الكارثة؟ علماً أن الكادر الطبي يعمل على مدار الساعة وقامت فرق طبية بجولات وتفقد مراكز الإيواء،وختم : لذلك من المنطق الإنساني وفي ظل هذه الظروف من المعيب أن تبقى العقوبات أو ترفع جزئياً ولفترة محدودة غير كافية لترميم النقص وليس للنهوض بواقع القطاع الصحي ككل.

ديواني: نقص التخطيط السليم والاكتفاء بحل الأزمات الطارئة..وهناك المجلس الصحي الأعلى المسؤول عن وضع الخطط

هي المعاناة ذاتها في مختلف المشافي ، ففي مستشفى المواساة كذلك النقص في المستلزمات وتعطل بعض الأجهزة .إذ يؤكد د.محمد مبارك رئيس الشعبة القلبية في المستشفى أن الكثير من الأجهزة معطل ، منها جهاز الرنين المغناطيسي وكذلك جهاز القثطرة القلبية معطل وخارج الخدمة منذ خمس سنوات بسبب عدم توافر قطع الغيار، وتالياً يصعب استيرادها وإيصالها حتى من قبل الشركات المعنية بتأمينها ، فضلاً عن ارتفاع سعر الصرف والحصار الظالم ، وهذا كله بالمجمل يؤثر سلباً على تقديم العلاج والخدمات الطبية للمرضى .
وأضاف د.مبارك: إن رفع العقوبات المؤقت حقيقة لا يشمل أغلبية المستلزمات الطبية المطلوبة، ولن يرمم النقص الحاد الذي يعاني منه القطاع الصحي، ولاسيما بعد سنوات الحرب، كما أنه ليس لدينا الاستعداد لمواجهة تبعات الكوارث الطبيعية، داعياً المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات الظالمة كلياً للوصول إلى الغاية المطلوبة من تقديم الرعاية الصحية المطلوبة.
أسباب داخلية..!

الصحة تدعو المنظمات الدولية للدعم والمساندة وأعلنت عن احتياجاتها وفق قوائم تعميمها عن طريق الجهات المختصة

يشير د.هشام ديواني” طبيب ” إلى الأسباب الداخلية، والتي تتعلق بالشخصيات المسؤولة عن وضع الخطط ، لأننا ننتظر دائماً وقوع المشكلة لنفكر بالحل . فالجميع يعلم أننا نعاني من أزمة اجتماعية واقتصادية نتيجة الحرب التي فرضت علينا ، وأدت إلى تدهور شديد في الظروف المعيشية ، مع تدمير كبير في النظام الصحي لتأتي كارثة الزلزال التي قد تكون الأسوأ منذ غزو التتار في القرن الخامس عشر ، ولم تأتِ من فراغ -وفق د.ديواني- لأنه يوجد الكثير من العوامل الموضوعية والذاتية الداخلية والخارجية التي تراكمت وأدت إلى هذا الوضع.
تقييم الواقع
وأضاف: من المهم تقييم الواقع الصحي وتوصيفه مع اقتراح حزمة من الخيارات الممكنة. فالرعاية الصحية ركن من أركان بناء المجتمعات ولا يمكن استشراف مستقبل واعد لأمة دون النظر إليه بشكل دقيق ، لما له من أهمية في دعم مسارات التنمية الأخرى ، مشيراً إلى أن تعطيل البنى التحتية وتدميرها في كثير من المناطق أدّيا إلى فقدان المأوى ومصادر الطاقة وتدهور الخدمات ، لتأتي كارثة الزلزال وتزيد الأمر سوءاً ، مبيناً أن كل تلك العوامل أثرت سلباً في الحصول على الخدمة الطبية ، كما أن نسبة كبيرة من المصابين بأمراض مزمنة اضطروا لوقف علاجهم ، وتأخير أو إلغاء إجراء العمليات الجراحية عرّض عدداً من المرضى لوضع مزرٍ.

التواصل مستمر مع غالبية النقابات العرب والأصدقاء لتقديم الدعم في المواد التي نحن حقيقة بحاجة لها

مزيد من التدهور
لا يخفي د. ديواني أن نوعية الرعاية الصحية إلى مزيد من التدهور بسبب تعطل المعدات الطبية ونقص قطع الغيار و الصيانة وشح في المستلزمات الطبية بسبب العقوبات الجائرة والحصار الظالم المفروض على سورية، إضافة إلى استشهاد عدد كبير من الطواقم الطبية وهجرة أعداد لا يستهان بها .هذا هو مشهد القطاع الصحي بعد فترة طويلة من الحرب المفروضة علينا لتأتي كارثة الزلزال وتزيد الوضع سوءاً.

إذاً هذا هو المشهد الذي يلخص واقع القطاع الصحي الذي استنزفته الحرب لسنوات ، ولكن لنكن منطقيين بموازاة الأسباب الخارجية من فرض عقوبات وحصار وغير ذلك ، فأيضاً هناك أسباب داخلية تتعلق بسوء التخطيط وهذا ما ركز عليه د. ديواني ، فمن وجهة نظره إن نقص التخطيط للاحتياجات بشكل عام ، الطارئة أو المستقبلية والاكتفاء فقط بحلّ كل أزمة صحية ، إضافة إلى أن فرق العمل في هذا القطاع يجب أن تكون مستعدة لأي طارىء، ولاسيما أننا نعيش الأزمات منذ سنوات طويلة ، لذلك يجب أن نكون من أكثر دول العالم استعداداً لأي أزمة على مستوى الحروب والكوارث الطبيعية.
وختم بأن هذا العمل أكبر من مسؤولية وزارة الصحة الذي يجب أن يناط بالمجلس الصحي الأعلى بكل لاعبيه، والذي لم نسمع عن أداء له منذ سنوات عديدة ، لافتاً إلى أن المجلس الصحي الأعلى مشكّل برئاسة رئيس مجلس الوزراء منذ الستينيات وجمّد في منتصف الثمانينات وأعيد تشكيله في العام ٢٠٠٧ يضم ممثلين من الجهات المعنية في القطاع الطبي ومن مهامه التخطيط قبل وأثناء وبعد الأزمات.

ليبقى السؤال : ماذا نحن فاعلون للاستفادة من الدعم وتأمين احتياجاتنا ..؟ دعت وزارة الصحة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة والأمانة العامة للمنظمة ووكالاتها وصناديقها المختصة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من منظمات دولية حكومية وغير حكومية، إلى مدّ يد العون في مواجهة الكارثة الإنسانية ،ولاسيما فيما يتعلق بتوفير التجهيزات الطبية والمستلزمات والأدوية لإنقاذ المتضررين من هذه الكارثة الإنسانية .
وأضافت الوزارة في معرض ردها المقتضب لـ(تشرين) : إنها تقوم بالإعلان عن الاحتياجات وفق قوائم يتم تعميمها عن طريق اللجنة العليا للإغاثة ووزارة الخارجية والمغتربين ، فحجم الكارثة كبير وتداعياتها ستكون طويلة الأمد .

تحديات كبيرة تعرقل تقديم الخدمة العلاجية اللازمة، لأسباب أولها عدم رفده طيلة سنوات الحرب بمستلزمات وأدوات علاجية وأجهزة أو حتى قطع غيار للأجهزة المعطلة

لأن سورية لم تكن مقصرة مع أحد وخاصة في الظروف الصعبة، يؤكد د. سمير فندي نقيب أطباء سورية أن النقابة تتواصل بشكل مستمر مع أغلبية النقابات “العرب والأصدقاء والمنظمات الدولية ” وآخرها كان مع النقابة الإيطالية لتقديم الدعم والتعاون في المواد التي نحن حقيقة بحاجة لها ،لافتاً إلى أن أغلبية النقابات تفاعلت معنا وأرسلت مساعداتها من مستلزمات طبية وأدوية عن طريق إرسالها للنقابة ليتم وضعها تحت تصرف وزارة الصحة ،وتمت الاستجابة بإرسال طائرتين عن طريق الهلال الأحمر وتم تسليمهما لوزارة الصحة بموازاة ما قدمته بعض النقابات من تبرعات للسفارات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار