موضة المشاعر.. وقوالب الاستنكار

أول رحلة لي بالطائرة، تفاجأت بردة فعل الركاب وتصفيقهم للقبطان وقت هبوط الطيارة، وأنا الشابة وثقافتي السينمائية لم تتعدَّ حدود برامج الأطفال وباباي وزيتونة وأوسكار، ولم أكن أتابع يومها الأفلام وقصص الحب والغرام في الطائرات.
سلوك استلطفته يومها، وصرت أسبق الجميع في تطبيقه بسفري الطيراني مع كابتن سوري شجاع ومضيفات حسناوات، ومخيلتي تبالغ بسرد الأسباب وما ورائيات فعل التصفيق لنجاح رحلة طيران..!! وصرت بين جاراتي أُنظّر وأستعرض لطافتي، وخاصية سلوكيات السفر في الطائرة التي تختلف تماماً عن سلوكيات السفر في البولمان والقطار.!!

وسنة ٢٠١١ يوم إعلان الجامعة العربية تعليق عضوية سورية -الدولة المؤسسة للجامعة العربية- وسحب السفراء منها، انكسر قلبي، وشعرت باحتشاء عضلة عروبيٍّ قسمَ ظهري.. نزلت يومها إلى الشارع مع عددٍ من الشابات والشباب كردة فعل واستياء، وحالة غضب طبيعية إزاء قرار كهذا وأخبار.
وتباينت يومها ردود أفعالنا، بعضنا هتف وبكى، والبعض الآخر شتم وسبّ ورمى بالبيض والبحص زجاج السفارات.. سلوكيات استنكرها أصدقائي وبعض الإداريين المسؤولين من معارفي، ومع إنني مقتنعة تماماً بعدم صوابية التصرف وردة الفعل الإنفعالي، إلّا أنني دافعت عمن ارتكبها وعللت سلوكهم، وسألت:
” أينكم عنهم.. لماذا لم تنزلوا الشارع وتحملوا الشموع واللافتات الصامتة، أين النقابات والاتحادات، والاحتواء لردات الأفعال أمام ما أصابنا من حرب وفجور.. وإرهاب؟!!
يومها، كنت أظن أن ردات الفعل والمشاعر، وأنسنة السلوك، تحتاج إلى التطويع والتوجيه، والتشبه بقوالب إنسانية جاهزة، إلّا أنني اليوم، وبعد كارثة الأمس وزلزال الوجدان السوري الذي أصاب كامل الجغرافيا السورية وأطلس خاطرها، أيقنت تماماً (استثنائية حالة) وعظمة الشعب السوري، في السلم والحرب والأزمات، وأصالة حضوره المتجذرة في العجائز والأبناء والفروع، الذين تهافتوا وتسابقوا في تقديم المساعدة والتبرع والتطوع في فرق الإنقاذ بأساليب شتى وعناوين نبيلة بدأت بعشوائية حبّ وخطوات نظّمها الواجب، ولم تنتظر من يبادر أولاً بفعل التصفيق أو إشعال شمعة ورفع لافتة استنكار على الرصيف، أو تقديم وردة.
فالجميع كان لوحة (بازل) كاملة، أجزاؤها صغيرها وكبيرها المكون الرئيس لعنونة استمرارها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار