يقولون إن جامعة هارفارد قامت وعبر سنوات بدراسة أسباب السعادة، والبحث العلمي في الجامعة عن الأمور التي تولد السعادة للإنسان وجد بشكل واضح أن (العلاقات الدافئة) مع الآخرين هي أهم ما ينتج السعادة. تصوروا, العلاقات الدافئة هي سبب ومنتج السعادة. هذا ممتاز لولا عيب بسيط وحاكم في النتيجة ينغّص علينا فرحتنا بمعرفة أن ما يسعدنا هو صفة (دافئة) للعلاقات الاجتماعية في محصلة البحث.
يبدو أن علماء هارفارد لم ينتبهوا لبعض البلاد التي صارت تتحسس من كلمة (دافئة) ومن مصدرها (الدفء) لأن مولد الدفء صار نادراً ومفقوداً. فلا مازوت ولا كهرباء ولا ما يدفئ أو يدفئون. وبعدما سرق الأمريكان وعملاؤهم نفط سورية وكملوها بالعقوبات والحصار الاقتصادي الذي يمنع وصول شحنات البترول إلى السواحل السورية.
وزاد في البلاء فساد الفاسدين. وسواد تجار السوق السوداء. وفشل بعض الأداء والمعالجات. بعد كل ذلك كيف يجد السوري أو اللبناني أو أو الدفء؟
وإذا نظرنا ودعونا علماء هارفرد إلى النظر أبعد من سورية، والتدقيق في أحوال الإقليم كله فسيجدون أسباباً متنوعة في دول المنطقة تمنع الدفء عن الناس؛ فمن فساد الإدارات، إلى أنظمة الاحتكارات، إلى طائفية بعض الحكومات، وسيطرة المافيات، وكلها عوامل ترفع أسعار المحروقات، وتحرم شعوب دول المنطقة من إمكانية الحصول على الدفء.. من العراق إلى لبنان إلى الأردن إلى مصر إلى اليمن إلى السودان إلى تونس إلى ليبيا.. إلخ. فلا محروقات ولا تدفئة ولا من يتدفؤون.. الأمر أوسع من سورية وإغراق المنطقة بالفقر والفاقة والبرد والعتمة، حرب مستمرة ضد شعوب المنطقة وبأدوات متنوعة وشيطانية.
ربما ينتفض علماء هارفرد عندما يلمسون أننا أرجعنا دفء العلاقات إلى توفر وأسعار المحروقات وحصارها والعقوبات عليها. والفساد والسواد في المتاجرة بها، لأنهم في أبحاثهم توصلوا أن دفء العلاقات الإنسانية، من الصداقه والشراكة والتعاون والزمالة والتفاعل والتأثير والتكافل والتساند، والجيرة والمواطنة، وهذه العلاقات لا تحتاج إلى مازوت أو كهرباء لتكون دافئة حسب ظن هارفرد. وبالفعل فإنهم يأثمون فيما يظنون. وظنهم هذا كله إثم لأن البرد والعتمة يمنعان اللقاءات، ويقطعان التواصل ويجمدان الشعور والإحساس ويعطلان إمكانات الدفء، لأن البرد تعطيل والعتمة عمى للبصر والإحساس.
ترى لو درست هارفرد ما يمنع الدفء فماذا ستقول بأثر العقوبات والحصار الاقتصادي على العلاقات والسعادة الإنسانية؟ وما ستكون نتيجة أبحاثهم حول دور الفساد والفشل وسواد السوق السوداء في إجهاض العلاقات الإنسانية وتجميدها بالبرد وبمنع أسباب الدفاع عنها؟