يحتفل المجتمع السوري بأعياد الميلاد ورأس السنة باعتبارهما أعياداً تفتح الروح وتزهر الأمل وتخصب الرجاء وتثمر المحبة وتغلب التضحية. تماماً كما جاء السيد المسيح رسالة محبة ورجاء وأمل وتضحية لقيامة الإنسان والمجتمع والعالم. لكل هذه المعاني كان المجتمع السوري يتفنن بأشكال الاحتفال بالميلاد ورأس السنة وخاصة أن الزينات تلون الأبنية والشوارع وشجيرات الميلاد تملأ البيوت والمحلات والأحياء. وكانت الحفلات والفعاليات الفنية والاستعراضات تشغل الجميع وتبث فيهم الفرحة والأمل وتشحنهم بطاقة التجدد والحياة. فكيف هي أعياد الميلاد وراس السنة في الأيام الحالية؟ وما الذي يجعلها على هذا الشكل؟.
من يعيش الحقائق السورية يلاحظ أن الميلاد ورأس السنة مصابان أيضاً بنتائج العقوبات الغربية على المجتمع السوري، ما أدى لإصابتهما (الميلاد ورأس السنة) بالعتمة والذهول وانسحاب الزينات وخجل الاحتفالات. فمثلاً المجتمع الدمشقي اعتاد سنوياً على الاحتفال بهذه الأعياد التي تحول مثلاً ساحة جورج خوري في القصاع إلى متحف من الأضواء والزينة. ومغارات ولادة المسيح وشجرة الميلاد والتي كانت تتلألأ في حدائق وشرفات البيوت المطلة على الساحة والشارع وتجعلهما مهرجان فرح واحتفال شعبي مجتمعي يجذب الناس من جميع الأحياء للمشاركة في هذا المهرجان المتألق المشاعر. وكنا نرى في هذا الجو الإسلام والمسيحية يتشاركان روحية الفرح والعيد والأمل والرجاء. فكان الزائر يلاحظ أن المحجبات والعائلات المسلمة تشكل المشاركة ألأوسع في فرحة الميلاد في هذه الساحة التي هي النموذج للجادات والساحات والشوارع في كل دمشق وفي أنحاء حلب وفي أزقة حمص واللاذقية وطرطوس ووادي النضارة ومرمريتا وصيدنا يا ومعلولا إلى . . . إلخ. لكن وكما قلنا فإن العقوبات الغربية المعتدية والجائرة طالت الميلاد ورأس السنة. وحرمت الروح سورية من التعبير عن الاحتفال بالأمل والرجاء والمحبة التي يشكل الميلاد ورأس السنة مناسباتهما واضطرار الأهالي إلى التواضع باحتفالاتهم وإلى الاكتفاء بالرجاء والصبر وإيقاد الروح بالإيمان بالقيامة والأمل والفرج وانتصار قوة الحضارة الإنسانية المشعة بطاقة الروح القوية الصامدة…
صحيح جداً أن روح سورية المسيحية والمسلمة روح حية ونابضة بغض النظر عن الكهرباء والطاقة. ولكن الصحيح جداً أيضاً أن هذه الروح تشعر بالمعني بأزمتهم. وتدرك المتسبب بها وتفهم جيداً أن سورية التي تعاني هذه الأيام العتمة أو صعوبات العيش الخانقة هي وطن البقاء والاستمرار تماماً كالمسيحية والإسلام الباقين والمستمرين رغم كل الشياطين المحاصرة والمعاقبة والضاغطة والفاسدة والمستنزفة والسارقة والناهبة لهم. السوريون بقوة روحهم هم وطن الاستمرار و البقاء رغماً عن كل من يعتدي على حياتهم.
وهذا احتفالهم الحضاري الروحي المستمر بكل أشكال البقاء والإبداع والحق.
د. فؤاد شربجي
130 المشاركات