كلما ازدادت وطأة المشكلات الاقتصادية يفاجئنا أصحاب القرار بمعالجات لايمكن إدراجها ضمن فئة الحلول الاستراتيجية، وإنما مجرد معالجات آنية يمكن أن تكون آثارها السلبية أكثر إيلاماً للاقتصاد والمواطن.
يجمع الخبراء والجهات الحكومية أن التضخم أهمّ ما يعاني منه الجميع الآن، والمعروف علمياً وتاريخياً أن أي معالجة له يجب أن تنتهي بامتصاص الكتلة النقدية الزائدة عن حاجة السوق، سواء بطرح سندات خزينة أو رفع أسعار الفائدة، أو الدفع نحو استثمارات ضخمة تجذب إليها رؤوس الأموال التي تفتك بالعملة الوطنية من خلال المضاربة على كل شيء، والابتعاد قدر الإمكان عن ضخ السيولة عبر القروض الاستهلاكية الشخصية.
إلا أننا إذا نظرنا إلى ما اتخذ عبر السنوات الماضية من قرارات نقدية مصرفية نجد أنها كانت خجولة برفع سعر الفائدة، ومحيرة من خلال التوسع في مجال القروض غير المنتجة، إلى مرحلة وصلت فيها المصارف إلى التباهي بتوسع حصة هذه القروض من حقيبتها التسليفية على حساب القروض المنتجة الموجهة نحو الاقتصاد الحقيقي (الصناعي.. الزراعي.. والمشروعات الصغيرة والمتوسطة).
أما المعالجات في السياسة المالية فكانت معظمها تتجه نحو تنمية غلة الإيرادات بفرض رسوم وضرائب جديدة أو رفع الموجودة، بغض النظر عن نتائجها الضاغطة على الحلقة الأضعف في الاقتصاد وهي المستهلك النهائي الذي سيحمل من قبل الفعاليات الاقتصادية أية ارتفاعات طارئة أو حتى محتملة في التكاليف.
في حين ورغم التعديلات المتلاحقة والمستمرة في قوانين الاستثمار لم نتمكن من إرواء عطشنا لمشروعات تلبي احتياجاتنا وتكون منطلقاً محرضاً لصناعات وحرف وخدمات أخرى، فهل يعقل أن تكون حصيلة المشروعات المشملة بعد عام على صدور قانون الاستثمار رقم ١٨ خمسين مشروعاً برؤوس أموال تقل عن ١.٢٥٠ مليار دولار “وفقاً لسعر الصرف الرسمي”؟
الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت عن خطة استثمارية بتكلفة ٤ تريليونات دولار، للإنفاق على تطوير البنية التحتية فيها، لأنها باتت تصنف من الدول النامية حسب مؤشراتها مقارنة بدول أخرى بسبب ضعف بناها التحتية، فهل هذا نوع من البذخ ؟!
معالجة المشكلات الاقتصادية تتطلب عقلية مرنة ونمط تفكير استراتيجي، وفي أوقات التضخم يجب البحث عن نبع الاستثمار الداخلي قبل الخارجي (لأنه سيهتدي به)، والابتعاد عن السياسات قصيرة الأجل المبنية على عقلية الجباية، وكل شيء ليس من نبع سينضب…!
باسم المحمد
70 المشاركات
قد يعجبك ايضا