التاريخ العريق.. وما خفي سيكون أنبل!
تشرين- وصال سلوم:
لم يكن يتخيل الفلاح البسيط الذي كان يحرث أرضه، شمال مدينة اللاذقية، أن السكة ستعلق بأهم اكتشاف تاريخي في العصر الحديث. كان ذلك عام 1928، عندما ظهرت حجارة ضخمة لم تستطع سكة المحراث تحريكها!.
تلك كانت أوغاريت، بأبجديتها الأولى التي غيرت مفهومنا للتاريخ، وأعادت النظر في الكثير من المفاهيم، خاصة عندما ظهرت للعلن نصوص الشعر الأوغاريتي التي سُرقت من التاريخ السوري، وحضرت في كتاب التوراة، مثلما حصل مع أساطيرنا القديمة، مثل أسطورة الخلق والتكوين وغيرها.
منذ أيام، انتشر فيديو لمجموعة من الجنود (الإسرائيليين) المتجمعين قرب الحدود بين فلسطين ولبنان، كانوا يغنون “الدلعونا” باللغة العبرية، وقد عدلوا عليها بما يتناسب وتفكيرهم، وقد سبق أن ارتكبوا السطو نفسه، على أكلاتنا الشعبية مثل التبولة والمسبحة، وأيضاً مع الدبكة الفلسطينية..
لا ينسى أحد عندما احتلت أميركا العراق، وخرجت المذيعة الاسرائيلية على إحدى القنوات لتقول: “جردوهم من تاريخهم واجعلوهم يظهرون بثيابهم الداخلية”، وكان ذلك تعليقاً على نهب المتاحف العراقية وتدمير مدينة نبوخذ نصر، وغيرها من المعالم التي تعدُّ ذاكرة البشرية الأولى.
للأسف، لم تسمح الظروف العامة لمتابعة الكشف التاريخي في سورية والعراق ومجمل بلاد الشام، حتى نهايته، فما خفي تحت التراب سيكون أعظم بالتأكيد، ويمكن أن نتخذ من محراث ذلك الفلاح البسيط الذي اكتشف أوغاريت عبرة. فمن يدري إن كنا سنحصل على اكتشافات تغير مفهومنا للتاريخ مثلما حصل عندما اكتشفت أوغاريت!.
أولئك الدخيلون على المنطقة، لم يكتفوا بسرقة الجغرافيا في العصر الراهن، بل يريدون السطو على التاريخ أيضاً، وبناء عليه، يمكن أن نفهم قصف قلعة بعلبك وآثارها، مثلما هو حال آثار غزة، التي نالت نصيباً وافراً من القصف بهدف النسف والمحو، يدفعهم إلى ذلك هلعهم وتأكدهم بأنهم مؤقتون زائلون، لا جذور لهم في هذه الأرض المباركة التي يخرج كل يوم اكتشاف جديد يؤكد عدم وجودهم ويثبت بأنهم مجرد غزاة.
عندما اكتشف “باولو ماتيه” العالم الايطالي الشهير، مدينة إيبلا وألواحها الشهيرة، أصيبت (إسرائيل) بالحمّى، فتلك الألواح تؤكد أن وجودهم مجرد بثور مرضية حلت بجلد الأمة العريقة، ولن تلبث أن تشفى منها سواء طال الزمن أم قصر. حاولت اسرائيل سرقة ألواح إيبلا، وتعرض باولو ماتيه لضغوط كبيرة، تحدث عنها شخصياً في إحدى محاضراته التاريخية في مدينة حماة، لكن كل ذلك لم يكن ليغير القضاء والقدر في حتمية الخلود الذي تحدث عنه جلجامش في نهاية الأسطورة: سنعمل على مجد أوروك، فهي الخلود بحد ذاته!.
هل ننسى ما فعله الإرهابيون عندما دخلوا تدمر؟
هل ننسى ما فعلوه في عين دارا، لقد كان التاريخ هو الهدف، لأن المشغلين اعتقدوا أنهم امتلكوا الحاضر والمستقبل، ولم يبق أمامهم سوى التاريخ، فعليهم إما سرقته أو تدميره حتى لا يصل إلى الأحفاد وحتى لا تحتفي به البشرية وتعدّه من الآثار الخالدة.
الباحثون يرجحون أن ما تم كشفه من خلال عمليات التنقيب، جزء يسير مما تحتفظ به الأرض، وبالتالي علينا أن نكون مستعدين لكشوفات عظيمة لا يمكن طمسها في حرب أو عبر قصف.. نعم، إن ما خفي في باطن الأرض، سيكون أنبل!.