أخيراً جاءنا الفرج عبر خبرٍ «لا كان على البال ولا على الخاطر»، إذ إن إحدى عالمات الأعصاب أعلنتها بالفم الملآن، بأن التوتر الذي نعانيه ليس ضاراً، بما في ذلك التوتر الذي نُحس معه بأن أدمغتنا تكاد تنفجر بعد استقرار قيمة الليرة أمام سيئ الذكر لشهور من دون أي استقرار في الأسعار، حتى فيما يتعلق بسعر قرص الفلافل.
كما أكدت أبحاث تلك الدكتورة، مشكورةً، أن استجابات التوتر أمرٌ جوهري لبقاء المُتعَبين نفسياً على قيد الحياة، ليس كنوع من العقوبة، وإنما كإكسير جديد يُضاف إلى رصيدنا السلبي فيجعله إيجابياً، من خلال تأهيلنا للتكيف مع مختلف الظروف، بما فيها عندما نكتشف، بمحض المصادفة أن كيلو صدر للدجاج عاد للنطوطة فبات الكيلو الواحد منه مقارباً للسبعين ألف ليرة تنطح ليرة.
وفي المواقف العصيبة، كأن نُدرك مثلاً أننا لا نملك ثمن أدوية آبائنا وأمهاتنا فكيف بمراجعة طبيب مختص، فإن ذلك، كما تُشير الدراسة، على عكس المتوقع لن يُحبِطُنا، بل يدفع أداءنا نحو الأفضل، بحيث نقلب المعادلة رأساً على عقب بصعقة توترٍ واحدة، وهو ما سمّته العالمة -كثَّرَ الله خيرها وأمثالَها- بـ«التوتر النافع»، إذ تتنشَّط بعض الخلايا العصبية الخاملة وتجعلنا مستعدين مرة بعد مرة لمواجهة الضغوط في المستقبل، حتى لو كانت كل المؤشرات تؤكد عدم وجود أي أفق له، إذ إن توتُّرنا النافع يرفع مستويات هرمون «الأوكسيتوسين» ويجعلنا أكثر قدرة على الاحتضان الاجتماعي ومواساة بعضنا بعضاً، أي أن للتوتر مزايا لا تُعدّ ولا تُحصى، في حين كُنَّا قبل قراءة هذه الدراسة لا نكتفي بظُلمِه، بل نُكرِّس صورتَه السلبية ونتَّهمُه بأنه سبب كلُّ عِلَلِنا، من ارتفاع الضغط، ونقص السكر أو زيادته، وسوء الامتصاص، و«لخبطات» الغدد الصم،… في حين إنه إن علمنا كيف نستثمره يُصبح إيجابياً بالمطلق، إذ كما أوضح البحث أن الطاقة الناجمة عنه تُتيح لنا مكافحة التعب، وزيادة مُعدَّلات الإنتاجية وغير ذلك الكثير.
والآن مع كل هذه الدلائل، والأكوام الهائلة من التوتر الذي عاديناها طوال الفترة الماضية، علينا أن نُبدي له بعض الامتنان، وأن نعترف بأننا لطالما ظلمناه، والأهم أن نبدأ باستثماره قبل أن ينتبه له ثلَّة المُفسدين ويستثمرونه ضدّنا.
بديع صنيج
26 المشاركات