حروب “البسوس” الفيسبوكية

على ما يُعرّف الأديب اللبناني بول شاوول “الانحطاط”؛ فإنه يُقاربه بعبارة موازية: إنه الزمن الذي تسودُ فيه سلطة الموتى؛ الحياة والناس والأفكار والثقافة والعواطف والحواس، وحتى الغرائز.. وإذا كان الانحطاط؛ موت الطاقة والحيوية، أي الموت بامتياز، فلأن الموتى يصنعون أكفانه، ويُحوكون نسيجه على مدى زمن طويل بدا وكأنّ لا نهاية لنفقه، كما بدا أن لا ضوء له يبرقُ في البعيد البعيد.

من هنا أيضاً؛ يحقُّ لنا أن نتساءل مع الكثيرين: ماذا نرى اليوم، ماذا يتراءى لنا، أي أسئلة نطرحها، أي أجوبة نلزم تبنيّها؟ بل أي حركة نعمدُ إلى القيام بمغامرة بها، وطواحين الموتى تنشرُ العفنَ في هواء الحاضر والمستقبل، وتلوثاً إلى الماضي؟ ضمن هذا العماء الشامل كيف نتلمسُ طرقَ الخلاص والنجاة؟

ما نبدو عليه اليوم؛ إننا محاصرون، محاصرون حتى أكثر من الاختناق بالموتى، ومن جميع الألوان والأحجام واللغات، وفي العالم العربي نصطدمُ بجثثهم كيفما اتجهنا حتى لو حاولنا ارتفاعاً أو نزولاً.. ذلك أن الثقافة العربية، اليوم راسخة في عيشها زمن الانحطاط الكبير، أو هي تعيش في زمن الموتى الكبير –على ما يصف شاوول– من هنا أيضاً، فقد ضاعت “الأفكار” والأسئلة التي حركت يوماً، ما سُمي حينها “النهضة العربية” لتعود هذه الثقافة جثة مُسجاة بين يدي المُكفرين والتكفيريين، وهنا ليسوا دائماً من سلفيين أو دينيين، وإنما من ما يُشبههم من (مُثقفين)، ولتتحوّل الأفكار الحية إلى موات مُنمط وببغائي شعارتي، محنطة في نصوص ذاكرة جمعية معدنية مكلسة لا مسارب لكتلتها المسدودة ولا مخارج.. ومع إنّ أمام النص وصاحبه، الكثير من بوابات الولوج للتمرد والخروج عن طاعة تلك “الذاكرة– السلطة” غير أن صاحب مشروع الإبداع في العالم العربي؛ سرعان ما يختار النكوص، ومن ثم الانتقال باكراً من “دار الإبداع إلى الدار الفانية” عندما يختار التساوق مع سلطة النص– الذاكرة المتسلطة، ويمشي في قافلتها في طريقها إلى الموات.. يختار ذلك باكراً، وربما من غير عمد، فالتراكمات التي تمّ تكديسها على مرِّ العقود في دواخله، كافية لأن تقتلَ شعلةَ الإبداع مهما كان وهجها ورهجها، إذ سرعان ما تظهر على السطح عند أقل من تصويب “سهمٍ إلى ضرع ناقة”.

الثقافة العربية – على ما يصف زميلنا خليل صويلح – لا تزال تحمل خنجراً على خاصرتها، حتى في زمن “التواصل الاجتماعي” وثورته الكبيرة في العالم، بقيت الكائنات العربية قبائل متناحرة على الكيبورد في ساحات هذا “الأزرق” الكبير.. اقترب لترى أكثر هذه القبائل الفيسبوكية التي تتناحر على أقل من نتيجةٍ؛ سبق فيها بغلُ قبيلةٍ بغلَ قبيلةٍ أخرى!.

هامش:

وحيداً كان يمشي

بمشاعرَ مُمزقة

تتناثرُ تماماً

كأوراق أشجارٍ

هزّها الخريف على حين ضعفٍ،

فراحت تتساقطُ يميناً وشمالاً

وكأنها تبحثُ عن ملاذٍ

يقيها الضباعَ والضياع..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار