الحصون الإنسانية المنيعة

عبر الزمن ومن عمق التاريخ، استخدمت الحروب والصراعات و التآمرات من أجل السيطرة لأهداف اقتصادية، وصولاً لزماننا، و الغاية هي السيطرة المطلقة وبمعنى السيطرة والتحكم بمنابع الثروات وطرق نقلها وتوصيلها للبلدان الصناعية المنافسة قديماً وحديثاً.

و ما نجده اليوم يبرر الغايات القذرة، والأساليب الأقذر منها عبر هندسة البلدان تحت مسميات، ولو اختلفت ولكن غايتها واحدة هي تكريس التهشيم والفوضى و نسف الأساسات القوية للبلدان وخاصة التي تملك ثروات طاقوية أو طرق مرور متميزة تخدم استراتيجية التفرّد العالمي والحفاظ على أحادية القطب وهو ما يوضح لنا منع الوحدة والاتحاد للفضاء الجغرافي وقطعه وتحويل الإخوة لأعداء و منع التعاون والتكامل لتكون سياساتهم القائمة على صنع وتمرير وتبرير الإره*اب بكل معانيه و لذلك لجؤوا لإيديولوجية تفكيك بنيوي لبلدان حققت درجات متطورة في مختلف المجالات البنيوية لتكون هذه البنى بوصلة القصف و القضم و التشويه وصولاً لطمس الروح الجماعية و تعويم الأنا الغرائزية الاستهلاكية و تعويم التعصب الأعمى والتقزيم لكل منظومات القيم والأخلاق والثقافات البنّاءة وطمس الهويات الوطنية و ضرب الانسياق التاريخي البنّاء وتشويه أغلب البناء الفوقي.
وبعد ضرب هذه البنى تسهل السيطرة والاستلاب والنهب والاستبداد وعرقلة أي جهود ومحاولات للتعافي والعودة لجسر البناء التنموي وبالتالي؛ تفريغ منظم للأفراد والجماعات و برمجة توابع أغلب بوصلتها تتقاطع مع ما ينسجم ويماهي مشاريع المستبد الإره*ا*بي العالمي.
ولكن ليست كل البلدان متماثلة، وليست كل الشعوب تملك القابلية نفسها للانقياد وهو ما وجدناه عبر تحصينات منيعة أثبتتها منعكسات العقوبات والحصارات و تكالب الأحقاد في الحرب الأخيرة و عطالة كل أدوات الإره*اب العسكرية والبشرية والاقتصادية والإعلامية و فشل الربط العولمي في جرِّ الروس لشبكة العنكبوت الواهنة المشربكة الموقعة كل منافس في تعقيداتها و شربكاتها.
و كانت التحصينات النابعة عن الاعتماد على الذات وعدم الانصياع و الابتلاء بأدوات عولمة اغتنت منها دول لا تملك من الاقتصاد الحقيقي إلا ما تنهبه وتبتزه وتسرقه وتسوقه، وأغلب رفاهية بلدانها وشعوبها نتيجة هذه القرصنة وعبر التلاعب بعملات ورقية مدعومة من قوة تفردها وعسكرتها و تحكمها بالمؤسسات العالمية التي أنشئت لعدالة عالمية، ولكنها للأسف بررت و شجعت وكرست الظلم والتوحش والاحتلال والعنصرية..
و هذه المعايير غير الإنسانية والمتوحشة جعلت أكثرية عالمية تتحفظ وتتمرد وتعبّر عن رغبات كامنة للتحرر من عبودية متكرسة عبر مؤسسات دولية و عبر مافيات عالمية وعبر عولمة لا إنسانية، فعن أي حرية وديمقراطية ينظّرون وهم أسياد الأقفاص والقيود, وبالتالي الاعتماد على الذات وعدم الانجرار وراء أجنداتهم و التعاطي مع خصوصية البلد هي أهم التحصينات، وكسر مشاريعهم التي لم ولن تنتهي ومهما طغوا و خوّفوا و ضللوا تبقى مقومات المواجهة موجودة ومتوافرة ومتأصلة، و تبقى المواجهة أرحم من الانجرار و أقوم، وهي الطريق الصحيح للتحرير والتعافي و التحصين، التحصين الذي قوامه الإنسان وتحقيق حاجاته ضمن أولويات، و التصدي لمشاريع الإمبريالية بما يحافظ على قوة انتمائه و تمسكه وثقته و يحافظ على ثوابته المنبثقة من ثوابت جمعية متوارثة محافظة متجددة..

تحصين الإنسان وتأمينه أهم أسس التحصين و كسر أنياب التوحش الرأسمالي الذي سينتقم ممن وقف وعرقل و حطم مشروعه أو شذبه، وحتى نكون واقعيين فإن جزءاً جغرافياً وبشرياً سيدفع ثمن تعالٍ حضاري وتحصين قشري بسبب تبعية مطلقة ومازالت . الانتصار على الأنانية و الغرائزية وعلى الدونية يتطلب إعادة التنشئة والبناء بالتوازي مع الاعتماد على نخب عضوية فاعلة حقيقية..القادم صعب ولكن مفاتيحه متوافرة بحاجة للتعاطي الصحيح وعدم اليأس واستمرار الأمل، فهم لا يمكنهم ولن يتمكنوا من حرق الجذور التي ستنمو بهمة وتكاتف الجميع و تحقيق الأمن الإنساني بأبعاده الحاجوية؛ حاجة ومطلباً و نتاجاً حتمياً في ظل المعطيات الذاتية و العالمية، و المهم العودة للاكتفاء الذاتي عبر برامج اقتصادية واضحة مجدوَلة تكون غايتها الأهم أمن الوطن والمواطن وفق أولويات تراعي مصالح المواطن والوطن ووفق معايير وقوننة تحقق أكبر إمكانية من العدالة الاجتماعية وفق حاجات أزموية ونهج مناسب وكذلك وفق حاجات موضوعية عالمية للتكيف مع تخندقات جديدة وفق نتائج الصراعات القائمة والاستفادة قدر المستطاع من القدرات للدول المتوافقة لدعم ومساندة بعضها من أجل الاستراتيجيات القادمة والتي لابدّ من تهذيب السلوكيات العالمية عبر ضبط جديد للمؤسسات والتفكير خارج صندوق طلبات و وصفات التوحش الليبرالي الإمبريالي.

صحيح أن ما يحصل لن يضعف دولة العولمة الأمريكية ولكنه سيجعلها تلتف وتغير سلوكها تجاه دول معينة وفقاً لتوافقات عالمية، و هناك إجماع على تهالك القارة المتعجرفة العجوز التي طالما تغنت بالفوقية و العجرفة ولكن الوقائع انعكاس لسيرورة البنى المختلفة ..
الأمل متواجد ومتوافر و النوايا الجيدة تحتّمها الحاجات الواقعية بانتظار العمل الجاد الصحيح المناسب لحاجاتنا و المحصن لداخلنا ودواخلنا ولمن نتماهى معهم في نفس المسار القيمي والأخلاقي والحقوقي .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار