نرجال البابلي.. أقدم «أيّوب» في التاريخ!
تأخذ العقائد من بعضها وتتفاعل، فلا يحدث قطع نهائي بين الثقافات البشرية، فالنصوص البابلية القديمة تشير إلى وجود “شخصية أيوب” في الحياة والأدب منذ 1500 سنة قبل الميلاد كما يذكر الدكتور طه باقر في كتابه “مقدمة في أدب العراق القديم”، حيث تصور هذه النصوص شخصية أحد وجهاء بابل واسمه “شبسي مشري نرجال”، وهو شخص نزيه متعبد تآمر عليه علية القوم وأصبح وحيداً منبوذاً يعاني من الأمراض الكثيرة حيث فقد حاسة السمع ووهن جسمه ولم يعد ينام ليلاً ولا نهاراً، وإزاء ذلك يناجي وهو يشتكي:
“لم تعطف علي الآلهة، وتخلصني، وحسبني الجمع ميتاً.. كأن القبر مفتوح أمامي، فنهبوا أموالي وفرح بي حسادي وشمت بي أعدائي ولم يستطع السحرة شفائي، مع أنني لم أعرف في حياتي سوى العمل الصالح والعبادة..”. نرجال البابلي بقي مؤمناً رغم الصعوبات والامتحانات الكثيرة التي مرت به، ولذلك تكافئه الآلهة فتعيده إلى ما كان عليه من عز وجاه في السابق، فيسترد صحته وأمواله والمنزلة الرفيعة التي كان يتبوأها بين قومه، ويصبح مثالاً للصبر عبر التاريخ.
في الثقافة القديمة، يشير خبراء الآثار إلى أيوب سومري أقدم من أيوب البابلي أيضاً، ما يؤكد أن قيمة الصبر ومواجهة الصعاب تعد قيمة لها مكانتها عند الإنسان تاريخياً وقد صيغت ضمن أدبيات وقصص تستند في جذورها إلى الواقع في نواحٍ كثيرة، إذ إن الميثولوجيا لا يمكن أن تأتي من فراغ. في التاريخ هناك أيضاً شريعة حمورابي التي أخذت منها التشريعات المتطورة الكثير من المواد القانونية وكانت تلك الشريعة سبباً في تطور القانون البشري الذي امتاز به السوريون كبناة للحضارة والمدنية. وفي كل هذا تبدو ثقافة الإنسان متواصلة ومتفاعلة وتأخذ الثقافة السورية في بلاد الشام والرافدين المكانة الأرفع تاريخياً نظراً لأسبقيتها وفرادتها وتمكنها من اكتشاف المقومات الأولى من الحضارة وعلى رأسها الحروف الأبجدية إلى جانب الزراعة ومختلف العناصر التي شكلت انعطافاً في مسيرة البشر.