كينز واقتصادنا السوري الحالي؟!
رحم الله عالمنا الاقتصادي الكبير «جون ماينارد كينز » الذي عاش بين سنتي /1946/ و/1983/ وعاصر الحربين العالميتين الأولى والثانية وساهم في وضع رؤى وإجراءات للخروج من الكثير من المشاكل وتداعيات الخراب وخاصة الاقتصادية منها، ولهذا أطلق عليه البعض «الطبيب المسعف» للرأسمالية الغربية خلال أزمتها العالمية المعروفة بأزمة « الكساد الكبير» بين سنتي 1929 و1939، ورغم تميزه في علم الاقتصاد وخاصة الاقتصاد الكلي (Macroeconomics) ، فكان يقول وهو العالم الاقتصادي الكبير «إن علم الاقتصاد من أصعب العلوم » وكان يحذر من « الشعبوية والحكواتية الاقتصادية»، ويعده الكثير من الاقتصاديين الأب الروحي للاقتصاد الكلي بسبب تركيزه على دور الحكومة في المجال الاقتصادي وبما يخالف آراء المدرسة الكلاسيكية السائدة في تلك الفترة وخاصة أفكار « آدم سميث ودافيد ريكاردوا »، ونظراً لمكانته الاقتصادية فقد تقلد مسؤوليات كبيرة في وزارة الخزانة البريطانية، وخاصة بعد أن اطلع رئيس الحكومة البريطانية « ونستون تشرشل » على كتابه «النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود» وتركيزه على وضع آلية للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تختلف عن المشكلة الاقتصادية من ناحية الطبيعة والتكوين والمعالجة والتنظيم والعمق والتأثير والمعالجة والحلول وغيرها، وأكد أن أزمة الكساد الكبير سنة /1929/ من أخطر الأزمات وفيها تراجع الإنتاج والتجارة وزاد معدل البطالة على /30%/ في أمريكا وبريطانيا، وتجددت قراءة أفكاره خلال أزمات /2007و2008 و 2009 ..و2020/ ، وهذا ما دفعني للكتابة عنه، فنحن في سورية وبعد حرب يكاد يمر عليها /11/ سنة لدينا مشاكل اقتصادية ولم نصل إلى الأزمة الاقتصادية وهذا يسهل أمور المعالجة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن المشاكل قد تتحول إلى أزمة إذا لم توضع الحلول لها، وهذا يأتي من تداخل وترابط مكونات الاقتصاد مع بعضها البعض، وسقوط أي مكون يسهم في سقوط المكون الآخر بما يشبه « لعبة الدومينو»، أما الأزمة الاقتصادية فهي التدهور الحاد في الحالة الاقتصادية وتتجلى في تراجع الدورة الاقتصادية من إنتاج وتوزيع وتبادل وإعادة إنتاج وسيطرة حالة الكساد والركود والتضخم من ثم الركود التضخمي، وهو أسوأ الأمراض الاقتصادية العصرية ، وهذا يتطلب تحليل المشكلة بعقل اقتصادي هادئ لوضع حلّ لها وبعقلية تخصصية وليست «حكواتية اقتصادية»، فلعلم الاقتصاد خصوصيته، وركز كينز على دور الحكومة في تفعيل النشاط الاقتصادي خلال الأزمات و عارض النظرية الكلاسيكية لكل من « أدم سميث ودافيد ريكاردو » وهما من كبار علم الاقتصاد الجزئي( MICROECONOMICS ) وهو العلم الذي يدرس سلوك الكيانات الاقتصادية المستقلة كالأسواق والشركات والنشاط الأسري، وخاصة أنهم دعوا إلى عدم تدخل الحكومة في الحياة الاقتصادية لقناعتهم أن « الحكومة رب عمل فاشل»، وهذا دفع بعض الباحثين إلى الاعتقاد أن كينز هو من أتباع النظرية الماركسية لتركيزه على دور الدولة، لكنه دحض هذا بقوله وحسب تصريحه عن الماركسية «كيف يمكن لمثل هذه العقيدة غير المنطقية والخرقاء أن تؤثر بقوة على عقول الرجال ومن خلالهم على أحداث التاريخ» ونحن هنا لا نتفق معه، بل كان يعتز بأنه يمثل النخب الرأسمالية وكان يكرر عبارة «كان يجب أن أتناول المزيد من الشمبانيا » لأن تناول مشروب « الشمبانيا» كان في ذاك الوقت دارجاً بين الأوساط الرأسمالية الغنية، ويقول: «إن المشكلة السياسية للإنسانية هي الجمع بين ثلاثة أشياء وهي:« الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحرية الفردية»، ويقول: «قد أتأثر بما أعده عدالة وحساً جيداً، لكن الصراع الطبقي سيجدني إلى جانب البرجوازية المتعلمة»، ومما سيق يتبين لنا أن كينز لم يكن من مؤيدي الماركسية بل بالعكس كان من خصومها، وله أيضاً أقوال في غاية الأهمية ومنها «في الأزمات علينا أن نستخدم رؤوسنا أكثر وأيدينا وأرجلنا أقل» إذا أردنا تحقيق أهدافنا، وأيضاً «الاستثمار الناجح هو الذي يتوقع توقعات الآخرين أي المستهلكين» أي أنك كمستثمر يجب أن تنتج لتلبية طلب الآخرين وليس ما تريده، ومن هنا ركز على أن دور الحكومة يتوقف على تنظيم العلاقة بين « الطلب الإجمالي الفعال و العرض الكلي» على السلع والخدمات، وهذا سيؤدي وفي حال تحقيق ذلك إلى تفعيل الدورة الاقتصادية وتقليل معدل البطالة وتحسين الدخل وزيادة الاستهلاك، والحكومة يجب أن تدعم بشكل أساسي «الاستهلاك والاستثمار» والابتعاد عن « اقتصاد الكازينو» أي اقتصاد الفقاعات، وأكد أن عدم تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي بشكل فعال سيؤدي إلى كوارث عميقة، وأخيراً نقول وكوجهة نظر خاصة أو ذاتية إن كينز أروع من تخصص بعلم الأزمات الاقتصادية فما أحوجنا لفكره التخصصي .