نحتاجُ، في العام الجديد، إلى مَنْ يكنسُ الحزنَ والكآبة عن وجوه الشوارع وأجساد الحارات، إلى مَنْ يلملمُ بقايا الحنين التي يرميها اليائسون والعشّاق المهجورون قرب أعمدة الإنارة وفي الزوايا المهملة ويعيد تدويرها ليصنعَ لنا مِنها ما يُنسينا الوجعَ وسوء الحظّ.
نحتاجُ في العام الجديد إلى مَنْ يزيلُ عن فقراءِ هذه البلد طبقاتِ القهر وانعدام الحيلة وبقايا الحروب الفاسدة التي لا تزال تُشنّ علينا.
وأحتاجُ أنا شخصيّاً أن أجوبَ شوارع دمشق ليس كـ«بابا نويل» بل مثلُ درويشٍ يتقبّلُ الهدايا على شكل ضحكاتٍ منعشة بطعم النعناع وابتساماتٍ صافيةٍ مثل وريقاتِ النرجس الشتويّ، وقلوب لم تأكلها الضغينة بعد.. ومَنْ يريدُ منكم أن يهديني نصيحةً من حَبَقِ سأقبلها بامتنانٍ وسعَ المدى وآخذها منه بأصابعَ من رجاء وقلبٍ نظيف.
في الأعوام الماضية تشرّدنا وصار نصفُنا وحلاً ونصفنا رماداً, بعضُنا رمته أقداره وسفالةُ المتاجرين بلقمة عيشه ليبيتَ لياليه مع المشرّدين في “سوق الحرامية” و”ساحة المرجة” لكننا لم نَبِع بلدنا!.
فقراءٌ بعضُنا، نعم.. لكننا لم نسرق تعب إخوتنا، ولسنا سماسرةً نتاجر بدم الناس, فقراءٌ بعضُنا، نعم.. لكننا لا نبيعُ أوهاماً.
وأنا شخصيّاً أنامُ حيثُ أنعسُ، وآكلُ خُبزي كفافَ يومي مثل حماماتِ الجامع الأمويّ، وأشربُ شاياً «خميراً» مغليّاً ألف مرّة حتى صار بطعم العلقم، وأرتشفُ كأس «متّتي» التي صارت من لزوميات ما يلزم لكيلا أموتَ قهراً… وهناك مثلي كثيرون؛ لكننا لم نؤجِّر أرواحنا للشيطان، ولم نفصّلها على مقاس رغبات المخادعين وتجّار الحروب الذين يتفنّنون بصياغة الأسماء الأكثر رنيناً لجمعياتهم الوهمية وتحت الشعار الأكثر مُخادعةً عند البعض: جمعية من أجل كذا وكذا!.
شحّادُ محبّةٍ أنا.. نعم، لكنّي أتركُ قلبي للريح وضحكات الندامى.. وإنْ مشيتم في شوارع الشام ليلاً ستسمعونني أغنّي بلهجةٍ بدويّةٍ: «بيّاع مِين يشتري حزني ومواويلي؟ وينطيني قلباً خالي وياخد سهر ليلي/ أنا ملّيت من حسرتي واللي هِدم حيلي… بيعوني تالي قلب ما ظلّ قلب ليَّ».