محفوظ: أكتب أحوال الناس

في مثل هذه الأيام، قبل مئة وعشر سنوات، ولد نجيب محفوظ، روائي العرب، الذي كتب أحوال الشخصية المصرية العربية، وهي تصارع القهر الاجتماعي والفقر، ولتحقيق حريتها، وتجسيد هويتها، الاجتماعية الإنسانية.. ومازال نجيب محفوظ الروائي العربي الحاصل على جائزة نوبل، موئلاً للإبداع الأدبي، الأكثر تعبيراً عن الإنسان العربي، ولذلك تحتفل مصر والعالم العربي، بذكرى ولادته هذه الأيام.
في حديث لنجيب محفوظ عن نجيب محفوظ، سجله ألفرد فرج في ستينيات القرن العشرين، ونشرته مجلة الناقد في ثمانينياته، أوضح محفوظ، أنه «يعيش بين الناس، ويكتب عن أحوالهم » ويبدو أن معايشة محفوظ لحياة الناس، وتأمله في مصائرهم، منحه واقعية خاصة به، يمكن اعتبارها (واقعية محفوظية) يستخدم عبرها كل أنواع الواقعية، من الرومانسية، إلى الاجتماعية، الفكرية، التاريخية، إلى النفسية.. إلخ، حتى عندما أراد أن يكتب أسطورة، فكما يقول (أنزل من السماء إلى الأرض، ولا أرفع الأرض إلى السماء، هذا ما صنعته في “أولاد حارتنا”) أي إنه حتى يريد كتابة أفكاره، وتسجيل الأسطورة التي يريد، يحوّل أفكاره إلى قصة واقعية، تتصارع فيها الناس، وهي تعيش متفاعلة مع بعضها ومع أحوالها، وأفكارها..
أثناء محاكمة الإرهابي الذي حاول اغتيال محفوظ، سأله القاضي: لماذا أردت اغتيال محفوظ؟ فأجابه: لأنه كتب رواية أولاد حارتنا، فسأله القاضي مجدداً، وما الذي يدعوك لاغتياله؟ فأجاب الإرهابي: لا أعرف لأني لم أقرأها، ولم أقرأ أي رواية لهذا الكاتب.. أنه الإرهاب، الذي يعتمد الجهل والعصبية، في مواجهة الإبداع والابتكار، وهو درس واقعي لحياة وأدب محفوظ الواقعي في كل شيء..
رغم معرفة محفوظ العميقة، للفلسفة العالمية، إلا أنه جعل حياة الناس منهله للمعاني التي عبر عنها في رواياته، واعتمد نضال الإنسان لتحقيق ذاته، وتحصيل حريته، نبعه الذي ينهل منه، ليسبر معاني شخصياته وأفكارها، مستفيداً من خبرته الفلسفية في الاكتشاف، لا في قصر الحياة لها، وكما كتبت أستاذة جامعية، فإن محفوظ برغم معرفته لكبار الأدباء العالميين، أمثال؛ دوستويفسكي وهيمنغواي وبلزاك وبروست وفيكتور هوغو.. إلا أنه عندما سئل، عن الأديب الذي تأثر به، قال إنه تأثر بـ طه حسين وعباس العقاد، وإن العقاد كان ملهمه، لأنه أعلى من قيمة الحرية ومكانة الأديب، وظل نصيراً للحرية، حتى بعد أن سجنه الملك فاروق.
محفوظ في ذكرى مولده المئة وعشرة، يعيد تذكير الساحة الثقافية العربية، بأهمية الكتابة عن الإنسان في سعيه للحرية، وتحقيق ذاته، ضد القهر الاجتماعي والفقر، والظلم والتسلط، ويعيد تحفيزنا على التعلم من أحوال الناس، بسبر معانيهم الفلسفية.. بالفعل يستمر محفوظ، أسطورة واقعية، تكتشف معاني الإنسان والتاريخ بحثاً عن الحرية والتحقيق والإبداع..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار