رغم الإجراءات الحكومية لمكافحته.. التهريب لا يزال نشطاً

الجمارك : 80 مليار ليرة حصيلة قضايا التهريب

يرى البعض أن التهريب أصبح عملاً منظماً جراء الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على البلاد وارتفاع أسعار المنتجات المحلية المترافق مع انخفاض جودتها، إضافة إلى قرارات تتخذها الحكومة لمنع الاستيراد لبعض السلع حفاظاً على استمرار الإنتاج الوطني وترشيداً للقطع الأجنبي الذي يجب أن ينفق على تأمين السلع الأساسية، بالمقابل يصر البعض وتحديداً الجهات الحكومية على أن التهريب يضر بالاقتصاد الوطني ويجب مكافحته بشدة.
مهربات خمس نجوم
على الرغم من التصريحات المستمرة من الجهات المعنية التي تؤكد فيها حرصها المستمر على مكافحة التهريب ومحاسبة كل من تسول له نفسه بيع منتجات مهربة إلا أن جولة بسيطة على بعض الأكشاك والمحال التي يرتادها زبائن تجعلنا نعرف تماماً أن طلباتهم توجد هنا كالجبنة والشوكولا والبسكويت والدخان الأجنبي فكل ذلك متوفر.
تدخل سيدة أربعينية على سوبر ماركت معروف في منطقة المزة وتطلب نوعاً محدداً من «معسل الأركيلة» يبدو أنها اعتادت عليه، يقول لها البائع إن سعره /39/ ألف ليرة! فتجيب: «غالي كتير!! من نص بيروت حقه 19 ألفاً» ليرد عليها: «ماشي، روحي على بيروت واشتريه»! وهنا تستسلم السيدة للأمر، ويغيب البائع قليلاً، يبدو أنه يخفي المهربات خارج متجره خوفاً من دوريات التجارة الداخلية، ثم يعود حاملاً معه طلب السيدة التي تدفع المبلغ وتأخذ طلبها وهي تردد «الله لا يشبعكم» وبعد خروجها يفتح البائع الأسطوانة قائلاً : «ربحي فيه لا يتجاوز الـ3000 ليرة »، ملمحاً إلى وجود حلقات أخرى تحصد النسبة الأكبر من الربح.
ويرد حسام النصر الله- مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على ما يجري بأن الوزارة تحرر الضبط بالجرم المشهود، ولا يمكنها أن تدخل البيوت وتفتش فيها عن وجود منتجات مهربة، مبيناً أن لا أحد فوق القانون.
المعابر غير الشرعية
لا تقتصر حركة التهريب الى الداخل، بل هناك منتجات تهرب إلى الخارج، وبدورها المديرية العامة للجمارك ورداً على أسئلة «تشرين» أوضحت أن معظم المواد والبضائع والسلع التي يتم تهريبها من الداخل هي من المواشي الحية في فترة عدم السماح بتصديرها والخردة وبعض المواد النفطية والمنتجات الزراعية كالحبوب، كما يتم تهريب الكمامات وبعض أنواع الأدوية فيما يخص جائحة “كورونا” ويكون ذلك لدول الجوار.
أما السلع والمنتجات والبضائع التي يتم تهريبها إلى الداخل فتشمل مواد مختلفة وهي إما بضائع ممنوع استيرادها أو مسموح استيرادها لكن رسومها مرتفعة كالألبسة الجديدة و«البالة» والدخان والمواد الغذائية والموبايلات ومواد التجميل والمعادن ويكون مصدرها دول الجوار وذات منشأ أجنبي مختلف.
1100 قضية
وأوضحت الجمارك أن التهريب يتم عن طريق المعابر غير الشرعية وللدول المتاخمة حدودها مع بلدنا والمناطق الحدودية، مبينة أنه تم إحباط عدد كبير من عمليات التهريب من قبل مديريات الجمارك العامة ومن خلال عناصرها في مديرية مكافحة التهريب ومديرية شؤون الضابطة الجمركية على امتداد جغرافيا البلاد وعلى الحدود وكان البعض من تلك القضايا الجمركية نوعية تمثلت ببضائع ممنوعة معينة من المواد المخدرة وحبوب الكبتاغون والحشيش، كما تمت مصادرة كميات من الأسلحة والذخائر، حيث بلغ مجمل القضايا الجمركية المتعلقة بالتهريب والمحققة من قبل الجمارك منذ بداية العام وحتى الشهر العاشر ما يزيد على / 1100 / قضية لمختلف أنواع التهريب وما في حكمه ووصلت قيمة الإيرادات المحصلة من قضايا التهريب عن الفترة نفسها ما يقارب /80 / مليار ليرة وهناك قضايا تهريب مازالت قيد التحقيق.
مشروع قانون
وبينت المديرية العامة للجمارك أنها تعمل على إنجاز مشروع قانون جديد يراعي في نصوصه التطورات في حركة التجارة العالمية وسبل تسهيل انسياب البضائع من وإلى سورية، مؤكدة أنه عند وجود ثبوت أي تقصير بالعمل من موظفي الجمارك وعناصرها تتم محاسبتهم حسب الأصول والقانون وتتدرج العقوبة حتى تصل إلى كف اليد وذلك حسب حجمها، وأن عناصر الجمارك يقومون بدورهم في خدمة الاقتصاد الوطني وهناك شهداء وجرحى ممن كانوا رديفاً بحماية الوطن واقتصاده.
وشددت المديرية على قيامها بمتابعة العمل الجمركي وتصويبه واتخاذ الإجراءات والتدابير الرادعة بحق المخالفين ومتابعة عملها المستمر في مكافحة التهريب والمحافظة على حقوق الخزينة العامة للدولة، حيث يتم الاستقصاء والاستكشاف عن أماكن وجود التهريب والكيفية التي يتم فيها دخول المهربات مع تكثيف عمل الدوريات على الحدود من أجل مكافحة الظاهرة.
فتح الاستيراد يحدّ من التهريب

في الوقت الذي ينادي فيه أغلب الصناعيين بعدم ترك الباب مشرعاً أمام التهريب وضرورة مكافحته حفاظاً على الصناعة الوطنية يطرح الصناعي محمود الزين نظريته قائلاً: عندما يزيد الاستيراد يقلّ التهريب وعندما يقلّ الاستيراد يزيد التهريب، مبيناً أن فتح باب الاستيراد بشكل نظامي يحدّ من التهريب، وأن أغلب المواد الأولية الداخلة في صناعاتنا مستوردة وأن على الجهات المعنية عندما تصدر قراراً بمنع الاستيراد لمنتج ما، ينبغي أن تكون البدائل متوفرة، متسائلاً كيف يمكن وقف استيراد «النظارات» ونحن لا ننتجها أصلاً؟
ويضرب الزين مثلاً أن «سَلطة» الفواكه التي تباع في المحال تحتوي في أغلب مكوناتها على (الأناناس والكيوي والشوكولا) وكل هذه المكونات ليست إنتاجاً وطنياً ولكنها موجودة وتقدم للمستهلك، مبيناً أن انخفاض سعر الموز من/ 20 / ألف ليرة إلى/3000 ليرة / لم يكن بإيعاز جهة حكومية لتخفيضه بل بسبب منافسة السوق، لافتاً إلى أن المواطن بالنهاية يريد تأمين احتياجاته.
أثار سلبية
الآثار السلبية للاقتصاد الناجمة عن التهريب يحددها الخبير الاقتصادي الدكتور علي ميا، وتتمثل بإفقار خزينة الدولة نتيجة التهرب من دفع الرسوم الجمركية المستحقة، ما يؤثر سلباً في إيرادات الدولة، إضافة لإفلاس الشركات الوطنية وخصوصاً إذا كانت أسعارها أقل وجودتها أعلى، الأمر الذي يؤثر سلباً في الاستثمار المحلي.
ويضيف: إن التهريب يؤثر أيضاً في الاستثمار الخارجي ويمنعه من القدوم إلى البلد، فلن يجازف أي مستثمر خارجي بأمواله في بلد يكثر التهريب فيه، منوهاً إلى خطورة التهريب على الصحة العامة للمواطنين، حيث يسهم في إدخال سلع ومواد غذائية قد تكون غير صالحه للاستعمال أو منتهية الصلاحية لكونها غير خاضعة للرقابة الجمركية وغير مطابقة المواصفات القياسية العالمية.
واقترح الدكتور ميا تشديد الرقابة على النقاط الحدودية ومراقبتها إلكترونياً لمحاربة الفساد ، وتخفيض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة وغير المنتجة محلياً إلى أدنى حد ممكن لمنع المستوردين من التهرب من تسديد الرسوم، الأمر الذي يقوي إيرادات الخزينة ويشجع الاستثمار المحلي وزيادة الإنتاج بشكل يساهم في تخفيض الأسعار وزيادة القوة الشرائية للمواطنين ومحاربة البطالة، ما يساعد على منع التهريب تدريجياً لأن التهريب يكثر عند نقص السلع والمواد داخل البلد.
معادلة صعبة
بين ضرورة مكافحة التهريب لحماية الاقتصاد الوطني والحد من استنزاف القطع الأجنبي الذي تفضل الحكومة توفيره لتمويل المستلزمات الأساسية من أدوية ومواد غذائية، وبين الحاجة لبعض السلع التي يعتبرها البعض ضرورية حياتية ويجب تلبيتها مهما كلفت من أثمان، تبدو المعادلة صعبة، لكن الواضح أن الجهات المعنية تمضي في مكافحة التهريب بينما يتابع المهربون نشاطهم من دون كلل أو ملل نظراً للأرباح الخيالية التي يجنونها مستغلين حاجة المستهلك وشح الخيارات!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار