التصعيد الأخطر

لا يكاد يمر أسبوع واحد إلا وتشهد المنطقة تصعيداً جديداً أخطر من سابقه «في إطار حرب كبرى تختمر ولا مفر منها»، كما كتبت صحيفة «فوربس» الأميركية قبل أيام، لتحدد «النقطة الساخنة الرئيسية» فيها والتي ستكون جبهة الشمال/جنوب لبنان، لتتوسع بعدها وبما لا يمكن التنبؤ به، لا على صعيد المدى الجغرافي أو الزمني، ولا على صعيد النتائج، وبالتالي فإن السؤال لم يعد «هل هناك حرب»، بل السؤال هو متى وقت الانفجار؟
هذا ليس بحديث جديد، والمنطقة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة تعيش على وقع قرع طبول الحرب الموسعة، قد تخفت أحياناً على وقع تصريحات إيجابية من هنا وهناك، أو على وقع تحليلات وتفسيرات تنفي إمكانيتها أو واقعيتها، باعتبارها ضرباً من الجنون لجميع الأطراف، ولكن ماذا يمكن للكيان الإسرائيلي أن يفعل إذا كانت هذه الحرب الموسعة هي سبيله الوحيد للخروج من المأزق في غزة، ولتجنب هزيمة «وجودية» لن تقوم له قائمة من بعدها، أو على الأقل هزيمة ستقطع يده الإرهابية فلا تمتد مرة أخرى ضد الشعب الفلسطيني أو ضد أي دولة عربية؟
.. وماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل إذا وجدت «كيانها» في هذا الوضع سوى أن تستمر في دعمه، وحتى أن تنزل إلى الميدان إذا استدعت الحاجة؟.. وهذا سيستدعي بدوره سيناريوهاً مماثلاً من الجبهة المقابلة، فالمقاومة اللبنانية/حزب الله/ لن تكون لوحدها، وهناك من سينزل إلى الميدان أيضاً.
قبل أسبوع من الآن، تدحرجت كرة التصعيد الخطير نحو جغرافيا جديدة، كان هناك عدوان إسرائيلي على ميناء الحديدة اليمني، وما زالت المنطقة تحبس أنفاسها انتظاراً لرد المقاومة اليمنية «القادم لا محالة» وفق بياناتها المتوالية.
أمس السبت كان هناك تصعيد جديد، وبصورة أخطر، ميدانه بلدة مجدل شمس السورية المحتلة، الكيان الإسرائيلي وكما هو متوقع سارع إلى اتهام حزب الله مهدداً متوعداً.. قابله بيان نفي قاطع من حزب الله.
لماذا هذا التصعيد هو الأخطر حتى الآن؟
أولاً، لأنه يأتي في التوقيت المناسب للكيان الإسرائيلي، وإذا تجاهلنا التوقيت فهو يخدم كلياً الأهداف الإسرائيلية في الوصول بمسار التصعيد إلى الحرب الموسعة وجر الجميع إليها، فهو بذلك يزيح غزة عن كاهلة، ويريح جيشه المرهق والمهزوم فعلياً بعد نحو عشرة أشهر من بدء العدوان على غزة.. وبالعموم فإن الكيان سيكون طرفاً «من أطراف» في أي حرب الموسعة وليس الطرف الرئيسي الذي يتحمل كامل التكاليف والمخاطر والنتائج.
ثانياً، لأن المخاوف تتركز بصورة كبيرة على الاتهام الإسرائيلي لحزب الله، فمن شأن هذا الاتهام أن يخلق حالة تأليب دولية على الحزب تفتح الباب باتجاه تشريع أو تبرير عدوان إسرائيلي موسع على لبنان بذريعة حزب الله، الكيان الإسرائيلي سيعمد إلى تقديم هذه الذريعة لأميركا والغرب ليستطيعا من خلالها إعطاء الضوء الأخضر لشن هذا العدوان من دون تلقي الإدانات والاتهامات على قاعدة أن الحزب بات يشكل خطراً على جيرانه ولا بد من ردعه، ومن سمع المسؤولين الإسرائيليين يتباكون على ضحايا التصعيد في مجدل شمس لا يسعه إلا الذهول وهو الذي كان يسمع المسؤولين أنفسهم يتغنون على مدى عشرة أشهر بما يسفكونه من دماء الفلسطينيين في قطاع غزة الذي وصلت أعداد ضحاياه إلى 40 ألف شهيد في حصيلة مفتوحة على مزيد من الأرقام المفزعة، إلى جانب مئات آلاف المشردين والمهجرين الذي يقاسون ويلات الحرب عطشاً وجوعاً، بعد القتل والتدمير والتنكيل.
وتوضيحاً.. ما سبق لا يعني النظر إلى ضحايا التصعيد في مجدل شمس على أنهم أقل شأناً وأهمية في الإنسانية وفي كونهم مواطنين سوريين بالدرجة الأولى «وليس مواطنين في الكيان الإسرائيلي كما يزعم متزعمو هذا الكيان» وهو ما يؤكده على الدوام أهالي مجدل شمس وكل أهل الجولان السوري المحتل المتمسكون بهويتهم السورية وانتمائهم لسورية الوطن والتراب والشعب، واستمرارهم في مقارعة الاحتلال بما يمتلكونه من إمكانيات ووسائل في سبيل الحفاظ على هويتهم وانتمائهم.. نحن نتناول هذا التصعيد في سياق التحليل والتفسير الميداني وما يمكن أن ينتج عنه في الأيام المقبلة.
ثالثاً، لأنه يتزامن مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن، وهناك في التسريبات أن الزيارة في جانبها الرئيسي تركز على الجولان، إلى جانب أن الكيان خسر الشمال كلياً، لقد بات خالياً/مفتوحاً أمام المقاومة اللبنانية- حزب الله، للسيطرة عليه عسكرياً وطرد ما تبقى من الصهاينة.. وهنا لا بد من مخرج من استحكام الطوق حول الكيان، ولن يكون ذلك إلا بتوسيع الحرب، وبالتالي فإن التصعيد الخطير في مجدل شمس متعمد لإيجاد ذريعة توسع الحرب وتضع حزب الله في مواجهة مباشرة مع الكيان ومن خلفه أميركا.
«وفق القناة الـ14 الإسرائيلية فإن نتنياهو حصل على موافقة أميركية بعملية عسكرية ضد لبنان قبل التصعيد في مجدل شمس، وعليه فإن الأمر كان بحاجة فقط إلى تمهيد، وبعد التصعيد في مجدل شمس سيعود نتنياهو بموافقة أكيدة ورسمية على الهجوم».

لأجل ذلك فإن الكيان الإسرائيلي هو من يقف وراء التصعيد في مجدل شمس، سواء بصورة مباشرة، أو بالوكالة عبر «طرف ثالث» فلا يكون الكيان في الواجهة، مقابل إمكانية اتهام حزب الله بسهولة.. وهذا أمر متوقع، وكان نقطة التقاء لدى فريق واسع من المحللين والمراقبين.
رابعاً، لأن الميدان بدأ يتفلت أكثر فأكثر من قواعد الاشتباك المضبوطة التي باتت ضاغطة بصورة كبيرة بحكم أن الوقت بات يشكل حالة استنزاف، خصوصاً للكيان الإسرائيلي، والاستنزاف بدأ ينعكس على مجمل المنطقة التي لا يريحها أن تبقى في عنق الزجاجة، بين الحرب واللاحرب.
كل ما سبق، ومجمل مسار التصعيد، يوسع حالة التشاؤم، ويدفع بالمخاوف إلى أقصاها، بانتظار التصعيد اللاحق وحجمه ومداه.. فهل باتت المنطقة فعلاً أقرب إلى نقطة الانفجار كما تقول «فوربس»؟.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار