ضرورة شعرية

كان يُعدُّ برنامجاً إذاعياً، مادتُه التراث العربي، وأياً كان المعدُّ خضعَتْ مادتُه للرقابة والتقييم، وإذا مرّت المعاني المتواضعة، فإن الأخطاء اللغوية لا يمكن التساهلُ معها، وهو الدمثُ في التعامل الشخصي إلى أبعد الحدود، صعب عليه التصحيح اللغوي فقال معاتباً: أنا كاتب ويحق لي الاشتقاق!
الاشتقاق؟؟ ربما أراد أن ينتمي إلى شعراء معروفين في ثقافتنا، انضوت “تجاوزاتُهم اللغوية تحت “الضرورة” الشعرية المستساغة في أدبنا! وغريبٌ أنه لم يطلب التسامح بذريعة “الأخطاء الشائعة” وهي الحقل الذي غزُرَ نبتُه بلا حدود في الكتابة المعاصرة! سيكون النص الأدبي الحديثُ بين يديك، لكاتب يدفعه للنشر بكل ثقة، فتعثر على مفرداتٍ، لم يكفَّ المعلمون عن الإشارة إليها كخطأ لغويٍّ شائع أو غير شائع، من مثل “صُدْفة” و “لوحدها” و”هكذا قضية” و”عينين خضراوتين” و”النجمة الشديدة البريق” و”عيونه الواسعة” وعدد من “الشباب” و”الأبوان” و”سيّما” و “شَعْراً أشقراً” وبمثل هذه اللغة يُنسج النصُّ ليس بجرأة غير مسبوقة، أو تجرؤ غير هيّاب فحسب، بل بأحقية “الكاتب” أن يتهاون مع اللغة من أجل “الفكرة” أو “المعنى”!
كيف تنجلي الفكرة بمثل هذه الأدوات؟
اللغة في حدّ ذاتها كيانٌ يستوجب الحفاوة، فإذا استُخفَّ بها تخلخل المعنى وصارت الكتابة رسماً بأعواد قش! ومن الفقر فيها اتُّهمت بأنها جنحت إلى التقديس حتى صارت قفطاناً فات زمانه وما عاد يليق بقياسات العصر، هي التي كانت برونقٍ عالٍ في عصور متتالية يستخدمها “زهير بن أبي سلمى” وأبو نواس” و”المتنبي” و”أحمد شوقي” و”إبراهيم طوقان” و”نزار قباني” إذا لم ندانِ “نجيب محفوظ” و”حنا مينه” و”يوسف المحمود” و”الطيب صالح” في فن الرواية (كلّ هذه الأسماء وردت عفو الخاطر) حيث لا نجد الأخطاء التي بدأت تدهم الكتابات الأدبية وتريد المرور والتكريس بقوة!
كما الداء، اجتاحت النصوصَ الحديثةَ الأخطاءُ التي سماها المعد الإذاعي، اشتقاقاتٍ هي من حقه بعد مرور سنوات على عمله، بل وهناك عرَضٌ جديد لحِق بذلك الداء، هو إشاراتُ واختصاراتُ وسائل التواصل الاجتماعي، بحكمِ أنها موجودة بحكم “الاشتقاق” والضرورة وغزارة الاستخدام!!
في عالم الصياغة، هناك معادن ثمينة ومجوهرات، فإذا رخص المعدن وقُلِّدَت المجوهرات صار اسمها “إكسسوارات”، وإذا كانت تستعير بعض البريق من الأصول وتباع وتشرى، فإنها في عالم الأدب لا تستقيم، بل ويجب أن تُطرَد منه فوراً لأن نصاً يكتب بكل هذه الأخطاء، هو نصٌّ متهافت والفكرة وحدها لا تحمله، ووراء الفكرة يجب أن يكون المضمَر من اللغة القويمة النفيسة البليغة!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
بانتظار الخروج من حالة «الشلل» وإخراج أهم قطاع حيوي معها... الخطوط الحديدية السورية تضرب موعداً جديداً مع المستقبل.. والمدير العام يعتدّ بخطّة طموحة يحقق العدالة الطبية.. رفيف ضحية: المرسوم (19) أضاف التزامات جديدة لحصول ذوي الإعاقة على الخدمات الطبية والرعاية بشكل مجاني الدوالي المزعجة.. وكيف يعالجها الأطباء يرى أنّ عمر المخرج يقاس بنوع أعماله وليس بالكم.. الليث حجو: الإخراج لم يكن مشروعي في البداية.. وأنا غير مستعجل تقرير للكونغرس يحذّر: أيُّ حرب مع الصين أو روسيا ستكون الولايات المتحدة هي الخاسُر فيها اكتشاف بكتيريا تتلاعب بالجهاز المناعي وتلغي تنشيطه ضرب على أوجاع المرضى واستثمار في الهروب من المسؤولية!! الحرارة أعلى من معدلاتها والجو حار ورطب في المناطق الغربية إجراءات فاعلة لتقليل الازدحام على الأفران.. ونتائجها ستظهر قريباً حمدان: اتحاد غرف "الصناعة" و"التجارة" يتعهد بتأهيل مخبز جوبر 1400 مشروع طاقة متجددة باستطاعة 100 ميغاواط ربطت على شبكة التوزيع الكهربائية و صندوق دعم الطاقة ينفذ 13 ألف مشروع أغلبها منزلي