أعاجيب الموسيقا!

حدّثني صديقٌ يعمل أستاذاً للموسيقا في مركز شلل دماغي للأطفال، عن طفلٍ مقعدٍ، بالكاد يحرك عينيه، لكن بعد أن أسمعه مقطوعات كلاسيكية، وبعضاً من موسيقا إيقاعية للبزق مع نقرات الدفوف، بدأ الطفل يعزف ما يعلّمه صديقي من ألحان ببراعة وجمال مذهلين.
إنها أعاجيبُ الموسيقا وسرُّها الكامن، تلك «النوتاتُ» الإعجازية الكونية التي تجعلنا جسداً واحداً مع جسد الآلة الموسيقية، وتلمَسُ مكاناً عميقاً في أرواحنا؛ شيئاً غامضاً، ربما لا نعرفه ولا ندركه، لكننا نحيا عليه في أحلك أيامنا، شيئاً يجعلنا نتحمّل قسوة الحرمان، ومخالب الفقد، وجنون فضائياتٍ وإذاعات «تعاقبنا» يومياً بزعيقِ وصريخِ فيديو كليباتٍ مرعبة, الموسيقا التي تُفيّقُ فينا الأملَ القاتل، أملاً نعيش – نحن السوريين – على ما تبقى منه في أرواحنا بعد مطحنة العشر سنوات من الحرب على سورية.
قرأتُ مرّةً أن الأمريكيين كانوا، أثناء التعذيب، يُجبرون العراقيين في السجون على سماع «موسيقا بيتهوفن» إلى درجة أن أحد الناجين من الموت روى كيف أنه كلما سمع تلك الموسيقا ينتابهُ رعبٌ يشلُّ الأعصاب!.
يا إلهي! أيُّ فكرةٍ شيطانية أن تُعذّبَ إنساناً بأكثر الأشياء أثيريةً ورهافةً ومتعةً؟ لكن يبدو أن هناك حقداً كامناً بخبث في نفسيّة «العم سام» الذي ادّعى الكمال في كل شيء، وعقدةَ نقصٍ مزمنة تجاهَ حضاراتٍ شرقية «سورية وبلاد الرافدين»؛ الأولى أعطتِ العالمَ أول نوتة موسيقية مدوَّنة على رقيم طيني في «أوغاريت/رأس شمرا» قرب مدينة اللاذقية، وهي نشيدُ عبادةٍ لإلهةِ القمر «نيكال»، فكَّ رموزَها كلٌّ من العالم الفيزيائي السوري راؤول فيتالي والموسيقار زياد عجّان، والثانية كانت تَعدُّ «أنَّ الحرمان من الموسيقا يعادل الحرمانَ من الحياة نفسها» فصاغت من أجل ذلك, وعلى لسان شاعرٍ بابليٍّ الكلمات الساحرة التالية: «لقد نفتْنا الآلهة / غرباءَ حتى عن أنفسنا/ نجوسُ أزمنةَ التاريخ والمستقبل دون كمنجاتٍ/ هكذا كانَ حُكْمُنا الأبدي».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار