محاولة إحياء الإرث الاستعماري

دخلت العلاقات الفرنسية- التركية منعطفاً جديداً مع عودة البلدين إلى مربع السجالات مجدداً، وهذه المرة بسبب إحياء الإرث الاستعماري لكلا البلدين.

فتح الدفاتر السوداء القديمة بدأه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوصفه الحكم العثماني للجزائر ثلاثة قرون بالاستعمار، ليرد عليه النظام التركي ويصفه بالشعبوية، ما أثار اضطرابات دبلوماسية جديدة بين البلدين اللذين تشوب علاقاتهما توترات وخلافات عدّة.

معركة باردة حول الذاكرة تدور رحاها بين البلدين اللذين تختزن ذاكرة الشعوب عنهما الكثير من القصص الموجعة المشبعة بالقهر والدموية والتسلط، وعليه فإن العودة لسيرة العثمانية المستعمرة يقابله العودة لصورة فرنسا المستعمرة هي الأخرى، ما يسهل على المتتبع إدراك أن التوتر الحاصل بين الطرفين هو خلافات استعمارية تنبعث من جديد.

وعلى إيقاع التوترات التي لا تنتهي بين نظامي ماكرون وأردوغان، تشن وسائل إعلام البلدين حرباً إعلامية ضد الطرف الآخر، ففيما يركز الإعلام التركي التابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم على مهاجمة ماكرون بوصفه يصر على إهانة الدول والمؤسسات والأديان، والقول إن فرنسا في عهد ماكرون اتخذت خطوات متناقضة لاستعادة نفوذها العالمي، يهاجم الإعلام الفرنسي أردوغان وماضي الدولة العثماني الاستعماري وما تختزنه الذاكرة من جرائم يندى لها جبين الإنسانية في إشارة إلى الإبادة الجماعية بحق الأرمن.

ليس سراً أن النظام التركي عينه على النفوذ الفرنسي، وهو يطمح لمنافسة فرنسا في منطقة غرب إفريقيا الفرنسية، وفي القدرة على لعب دور يغير قواعد اللعبة على المسرح العالمي ويعزز موقع تركيا داخل الاتحاد الأوروبي وحلف “ناتو”.

ويرى محللون أن فرنسا في طريقها لأن تصبح في نهاية المطاف قوة رمزية فقط، لا تؤخذ على محمل الجد من القوى العالمية، وذلك ما تريده تركيا لغرض سد الفراغ وانتهاز الفرصة.

كما ليس سراً أن فرنسا كانت تحاول تحقيق التوازن ضد تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط ، وشمال إفريقيا بدلاً من الموازنة مع الجهات العالمية الفاعلة.

تأزم العلاقات بين باريس وأنقرة ليس جديداً لكنه يأخذ منحى تصاعدياً منذ عام 2019، الذي شهد تصاعداً في الخلاف إثر معارضة فرنسا انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان، والتوترات المتلاحقة على خلفية ملفات عدة على رأسها ليبيا وشرق البحر المتوسط. ما يشي بأن الاضطرابات الدبلوماسية بين البلدين لا تتعدى نطاق المصالح والسياسات الاستعمارية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار