رقابة “بالية” ..!
ليس من المعقول أن نسخِّر جميع إمكانات الجهات المعنية – على محدوديتها – لملاحقة المخالفين للقوانين والقرارات ونترك أموراً أخرى خارج السيطرة كتنظيم العمل وتحسين الإنتاج وتوفير المواد وتحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق، وتالياً خفض الأسعار إلى مستويات تناسب القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود…
عبر السنوات والأشهر الماضية اتضحت المشكلة وبانت مكامن الخلل في مسار ملاحقة الجهات الرقابية للمخالفين ووضع الكثير من المواطنين أصابعهم على أسباب المشكلة.. لكن أياً من الجهات المعنية لا تريد للحلول أن تنضج وللواقع أن يتغير؛ في مواربة مقصودة لإبقاء المخالفات مستمرة؛ بل وزيادتها رغم تشديد العقوبات بعد تعديل القوانين المتعلقة بمكافحتها.
نتحدث عن واقع تشهد له أعداد الضبوط وحجم الكميات المخالفة المضبوطة و”ما خفي أعظم” .. واللافت للانتباه أن أفظع المخالفات تقع في دمشق وريفها.. ربما لأن جهاز، أو أجهزة الرقابة في هاتين المحافظتين أكبر وأوسع ومتعددة المهام والاختصاصات، والجهات التي تتبع لها أو لأنها تمتاز بالتنسيق والتعاون بين بعضها البعض أو أن حجم المخالفات كبير جداً فيهما ومن الطبيعي أن يكون عدد الضبوط بهذا الكم والمواد المخالفة بهذا الحجم والنوعية.
بناء عليه علينا الاعتراف بأن المشكلة الأساسية لم تكن بالعقوبات البسيطة؛ ولا بتكثيف دوريات الرقابة وزيادة عدد الضبوط المنظمة بحق المخالفين، وإلا لكان السوق أنظف بعد تشديد العقوبات.. إنما المشكلة في آلية عمل الرقابة التي لم تتغير محدداتها رغم تعديل القانون الناظم لإجراءات حماية المستهلك عدة مرات طوال العقود الماضية.. ولولا الروائح الكريهة التي تصدر من مستودعات تخزين المواد الغذائية الفاسدة ووشاية الجيران بالمخالفين لبقي عمل الرقابة محصوراً بسحب العينات- التي تُظهر التحاليل المخبرية أن معظمها مطابقاً للمواصفات- والاطلاع على بطاقات الأسعار المرفوعة فوق السلع والمواد المطروحة للبيع في الأسواق و”مباركتها” رغم معرفتها أن الأرباح فاحشة.
إذاً؛ موضوع الرقابة برمته يحتاج مراجعة شاملة، مراجعة تطول الآلية “البالية” المتبعة والجهة المنفذة والأهداف المرجوة منها .. يجب بناء آلية رقابة جديدة تعتمد على ضبط منابع المخالفات في المعامل والورشات ومنافذ الحدود ووأدها في مهدها قبل أن تدخل الأسواق وتصبح في متناول أيادي جميع المستهلكين صغاراً وكباراً .. مرضى وأصحاء، وطبعاً لتنفيذ هذه الرقابة السابقة لا بدّ من تصحيح بيئة الإنتاج والتسويق وصولاً إلى تعميم ثقافة الاستهلاك الصحي والآمن لجميع المنتجات المتداولة في المحلات والأسواق.