في العمل

العملُ شرف الإنسان يدفعُ عنه الفاقةَ والعوز والذلّ من جهة، ويفتح سبيلَ البهجة والهناء والسرور والاِطمئنان من جهةٍ أخرى، وتلك خلاصة تجارب غنية مع الحياة وحصيلة دراسات وآراء علمية موضوعية، ولذلك فقد قال الشاعر العربي:
لقد هاجَ الفراغُ عليكَ شغلاً
وأسبابُ البلاءِ من الفراغِ
والسعيَ في سبيل العيش لا يمكن أن ينتهي مادام هناك أثرٌ للحياة، على رأي ( زهير) مبدياً إكبارَهُ وإعجابَه بالفتى الذي لا يفتأُ يسعى ويعمل بصدق نيّةٍ وحُسنِ طويّة:
لو كنتُ أعجبُ من شيءٍ لأعجبني
سعيُ الفتى، وهو مخبوءٌ له الأثرُ
يسعى الفتى لأمورٍ ليس يدركُها
والنفسُ واحدةٌ والهمُّ منتشرُ
والمرءُ ما عاش ممدودٌ له أملٌ
لا ينتهي العيشُ حتى ينتهي الأثرُ
وينظرُ الشاعرُ العربيُّ الكبيرُ الفرزدق إلى الحياة نظرةَ متفحِّصٍ متأمِّلٍ مجرِّبٍ عارفٍ، فيرى أنَّ الحياة لا يمكن أن تقومَ وتستمرَّ إذا اقترنت بسوء العمل، ويؤكّدُ من دون لبْس أنّ الرصيد مضمونَ النتائج الذي يبقى ذخراً وملاذاً في مختلف الظروف هو رصيدُ صالح الأعمال، يقول:
وإذا افتقرْت إلى الذّخائرِ لم ترَ
ذخراً يكونُ كصالحِ الأعمالِ
وفيما يلي من أبيات يوضح الرّصافي قيمةَ العمل وفضلَ العمال، ويشدِّدُ على أنّ الحياة ليست جديرةً إلّا بالعاملين المنتجين الشرفاء، مشبّهاً إيّاهم بأبطال الحروب:
حاجةُ المرءِ أكلَةٌ وكساءٌ
وسوى ذاك بسطةٌ في الكمالِ
إنَّ للعيشِ حومةً في وغاها
لا تحقُّ الحياةُ للبُطَّالِ
وسوى الحذْقِ مابها من سلاحٍ
وسوى الكدِّ مابها من قتالِ
بطلُ الحربِ مثلُ بطلِ السعيِ
ومنهُ الأعمالُ مثلُ الصِّيالِ
ويخاطب الشاعر أحمد شوقي العمّال بكلِّ احترامِ وتقدير طالباً إليهم الكدّ والسعي، لأنّ سعيَهم يعمِّرُ البلاد ويجلبُ لهم المثوبة عند الله والناس، يقول:
أيها الغادون كالنحلِ
ارتياداً وطِلابا
في بكور الطير للرزق
مجيئاً وذهابا
ولا يرى القرويّ ألذَ وأطيب من الكسب الحلال الذي هو مستَحَقُّ حاصلِ عمل، وفي تشبيهٍ جميلٍ يصفُ القيامَ بالواجب وإتمامَهُ بأنه يشرح الصدر ويحققُ الطمأنينة التامة:
تذوّقتُ أنواعَ الشراب فلم أجدْ
بحلْقيَ أشهى من حلالِ المكاسبِ
ونمتُ على ريشِ النعامِ فلم أجدْ
فِراشاً وثيراً مثلَ إتمامِ واجبِ

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار