ومن يهدرُ العمرَ في غيرِ أهلِه
أيَّةُ مرارةٍ تخبِّئُها لك الغفلةُ حين تستيقظُ فجأةً لتكتشفَ زيفَ الآخر ؟!
وأيَّةُ صدمةٍ يصفعُك بها الماء حين تكتشفُ أنَّهُ مجرَّدُ سرابٍ أيها المسافرُ العطشان ؟!
يقولُ المقرَّبون من الشاعر العربيّ المُلهم محمد مهدي الجواهري ، إنَّهُ كان لايفتأُ يردِّدُ بيتهُ الشعريَّ الشهير الّذي استقاهُ من كلام أسياد أهل الحكمة:
ما مضى فات والمؤمَّلُ غيبٌ
ولك الساعةُ التي أنت فيها
وما وراء هذا البيت قطوفٌ كثيرة لعلَّ أهمَّها أنَّ على المرءِ ألّا يضيّع أوقاتَهُ مسرفاً على نفسِه فيما لا طائلَ منه ، ولا جدوى ، وهذا بعضٌ مما في الزهرة الحقيقية من عطرٍ لا يُخفى طيبُه ، ولكن ، كما أنَّ هناك أزهاراً بلاستكية ، فهناك أيضاً (شذىً ) بلاستيكي.. ثمّةَ أناسٌ تقدِّمُ لهم فيضَ ما في القلب والوجدان من مشاعر الحب والوفاء ، تؤثِرُهم على نفسك في أغلى الأشياء ، حتى يصيروا محورَ تفكيرك، فتهبَهُم وقتك من دون حساب ، ومن دون أن تضعَ في تصوُّرِك أصلاً مكاناً لكسبٍ نفعيٍّ سطحيٍّ زائل ، لتكتشف أخيراً أنك كنت تهدرُ العمرَ في غيرِ أهلِه !
يصعبُ علينا استقبالُ الخيبة، ونتساءلُ: كيف يتغيّر أولئك عند أوّل تجربةٍ تضعُهم الحياةُ قبالتها، فيهتزَّ داخلنا عالمٌ ، كنا بالأمس القريب ، واثقين الثقةَ كُلَّها من سبك بنائهِ وقوَّةِ أساسِه، فإذا به مداميكُ أوهام صوَّرتها لنا مشاعرُنا النبيلةُ وقيمُنا الساميةُ (الرجعية)، صوّرتها لنا بنياناً قوياً يُعتمدُ عليه في الشدائد من حالكات الأيام !
أين (تخبِّئُ ) غواليك لداتِ أورادِ النبل، في زمنٍ اجتمع جُلُّ أصحابهِ على الاستهتار بكلِّ قيمةٍ ساميةٍ نبيلة ؟!
وإذاً ، ما عليك أن تفعل، وبأيِّ سلاحٍ تحاربُ كلَّ هذا النفاق ؟!
أجل أيها النبيلُ العالي لقد ( اشتدَّتْ أمورُ الدنيا والدِّين، أمّا أمورُ الدنيا فلا تمدُّ يدك إلى شيءٍ منها، إلَّا وتجدُ فاجراً قد سبقك إليه، وأمّا أمورُ الدين فلا تجدُ من يعينُك عليها !)
ولكن، هل أنت نادمٌ يا صديقي على منحِهُمُ المحبة، وهل إناءٌ ينضحُ بغيرِ ما فيه ؟
أيّها المتمسِّكُ بحبلِ العَصيِّ على الانحدار، لا تيأسنَّ ، وانظرْ كيف بدؤوا يسقطون ..!