بين الأقوال والأفعال

ينطلق اليوم مؤتمر برلين ٢ حول ليبيا، حيث من المقرر أن يبحث وزراء خارجية الدول المعنية بالنزاع مسار العملية الانتقالية في ليبيا منذ مؤتمر برلين ١ الذي عقد مطلع العام الماضي بهدف فرض استقرار دائم للوضع في ليبيا وضمان إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تعهدت الحكومة الانتقالية الليبية إجراءها نهاية العام الحالي، في الوقت الذي يواجه فيه المؤتمرون تعنتاً تركياً فيما يتعلق بسحب القوات الأجنبية وآلاف المرتزقة من الساحة الليبية.

رغم أن العناوين العريضة للمؤتمر ترسم بوضوح حدود الممكن إنجازه دعماً لمهمة الحكومة الليبية، إلا أن الأقوال شيء والأفعال شيء آخر، ففي مؤتمر برلين ١ تم الاتفاق على وقف الحرب، لكن هذا الاتفاق أجهض سريعاً بفعل التصعيد الميداني المدفوع بالتدخل التركي عبر مواصلة إرسال المرتزقة ورفض رجب أردوغان سحب قواته من الأرض الليبية، مستنداً بذلك إلى اتفاقه مع حكومة “الوفاق” السابقة.

بين تفاؤل وتشاؤم، انقسمت التكهنات والتحليلات حول ما سيفضي إليه مؤتمر برلين ٢ ومدى فعاليته على الأرض، ففيما يتفاءل البعض بأن المؤتمر سيعطي دفعة جديدة للعملية السياسية التي تقودها السلطة التنفيذية الجديدة، ممثلة بحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، على طريق الاستقرار الدائم مع الترتيب لانتخابات عامة نهاية العام الحالي

يبدد البعض الآخر أجواء التفاؤل بالقول إن المؤتمر لن يفضي لأكثر مما أفضى إليه المؤتمر السابق بسبب التدخل التركي وتعقيدات المشهد الليبي، واصفاً مهمة السلطة الانتقالية بأنها أشبه بالسير في حقل ألغام في ظل المعطيات الحالية، خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات في كانون الأول القادم.

خبث النيات التركية استبق انعقاد مؤتمر برلين ٢، بقيام وزير دفاع النظام التركي خلوصي أكار مؤخراً بزيارة سرية إلى طرابلس ليؤكد أن نظامه لن يسحب قواته، في رسالة صارخة تشير للاستمرار في التمادي التركي بتعزيز التدخل العسكري في انتهاك القوانين الدولية وتجاهل المطالبات المتصاعدة بسحب القوات التركية، ما أثار سخطاً ليبياً عارماً وأجج الانقسامات بين الأطراف كافة.

من برلين ١ إلى برلين ٢، لم يطرأ على الملف الليبي أي تغيير جذري من المأمول أن يفضي إلى حل سياسي نهائي ينقذ ليبيا من الفوضى المستمرة منذ عقد من الزمن بعد غزو “ناتو” عام ٢٠١١.

من اتفاق إلى اتفاق ومن مؤتمر إلى مؤتمر، يعاد إنتاج سيناريوهات الحل السياسي العصي على التنفيذ في ظل التصعيد المتواصل على الأرض الليبية وإصرار النظام التركي على تحشيد المزيد من المرتزقة في إطار محاولاته المحمومة لتأزيم الأوضاع أكثر وإجهاض أي توافقات تغذي مسار الحل السياسي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار