الطربوش أم القبعة؟!

ثمة تياران، لا يزالان هما الأبرز في مسار النقد العربي الحديث، الأول يريد المحافظة في وجه الحداثة، ويراها أنها مروق على الأصول، وهدم للقديم، حيث قدّم المحافظون من وقتٍ لآخر بموقعهم جهلاً أو تعصباً، أو تخلفاً عن مواكبة العصر، ويُعدُّ موقفهم لدى غالبية ممثليه استمراراً لذلك الصراع بين القديم والجديد، حيث يكشف كتاب محمد الكتاني “الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث” تاريخاً طويلاً متعثراً، وباهظ التكاليف لتردي النقد العربي الحديث، فكان أن رأى عصر النهضة، وهو عصر التحولات العظيمة، عصر الانفتاح والحركة والتحديث، إنه تاريخ مليء بالإحباط واليأس، والخيبة، ولكنه يعجُّ أيضاً بالحركة والثقة والأمل، فقد طال الصراع بين القديم والحديث شؤون التأصيل والتحديث جميعها في قضايا الأدب والنقد، كالوعي والهوية من خلال الصراع حول العامية والفصحى، أو الصراع حول قضايا الشعر، أو الصراع حول المناهج الدراسة الأدبية وتقويم التراث، كما طال الصراح حول تشكّل الأجناس الأدبية، أو الصراع حول المذاهب في ظل التبعية، أو اتصال الصراع بأنماط الحياة، وأشكال الوعي الأخرى.. ومن الكتب حول القديم والجديد، ما جمعه محمد كامل الخطيب من نصوص من فكر النهضة حول مقدسات مسألة القديم والجديد، ولعلّ كتاب “في الشعر الجاهلي” مثال للمعارك الفكرية حول القديم والجديد، وقضية الطربوش أم القبعة كإشارة إلى تواصل الصراع بين الأدب والحياة، من القضايا التي لا تزال تضيّع خواتيمها..!!

وأما التيار الثاني، وهو نابع من الأول – على ما يرى هؤلاء النقاد أيضاً – ويُعنى بالتقاليد الثقافية والأدبية والنقدية، فكان أن درس التراث المُعمّق، ودرس مكانته الكبرى في تحقق الذات والتأصيل كعماد للتحديث، وثمة مكتبة كاملة لشغل المبدعين والنقاد العرب الحديثين في التراث الأدبي والنقدي من منظورات حديثة، ومنها على سبيل المثال كتاب محمد مندور “النقد المنهجي عند العرب” وكتاب مصطفى ناصف “نظرية المعنى في النقد العربي” وكتاب إحسان عباس “تاريخ النقد الأدبي عند العرب” وكتابي جابر عصفور “الصورة الفنية في التراث النقدي” و”مفهوم الشعر في التراث النقدي”..!
في هذا المناخ المحموم يتنامى التفكير النابذ للتراث، مقابل وجهة نظر التقديس له، كما تتنامى أفكار العدائية للحداثة، مقابل الهواجس والهوس باتجاهها.. هذا ولا يزال غبارُ المعارك يصرُّ على ألا ينجلي..!!

هامش:
…………..
قبل أن توجه
رصاصك إلى صدري،
أو تغدرني من الخلف كأعرابيٍّ
في ليلِ صحراء القبيلة؛
انتبه
لن تحصدَ موسماً،
وأنا لن أخسرَ شيئاً؛
فأنتَ تقتلُ
خزاناً هائلاً
من الخيبة والخذلان والحزن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار