خبرات معطلة..!

مسألة الحرب الكونية وما حملته من ويلات على الاقتصاد الوطني، والحصار الاقتصادي وعقوباته السيئة الذكر، أيضاً وما أفرزته من مشكلات ما زالت آثارها السلبية “عبئاً ثقيلاً” يثقل كاهل المواطن قبل الحكومة، والتخلص منه يحتاج وقتاً وجهداً وإمكانات ضخمة يحاول الجميع توفيرها… وهذا ما سعت لتحقيقه الدولة بكل مكوناتها من خلال برنامج إعادة الإعمار، والذي باشرت بتنفيذه، وإسقاطه على أرض الواقع، وترجمته بصورة جزئية في القطاعات المختلفة حسب ” الحاجة والضرر” فظهر جلياً في العقارات، وأوضحها في النواحي الإنتاجية والصناعية والزراعية وعودة آلاف المنشآت المنتجة إلى ميدان العمل والتي حملت سلبيات الأزمة منذ بدايات الحرب، وأعطت ثماراً تستحق الوقوف عندها، وإجراء مراجعة لنتائجها، لكونها ولدت ضمن ظروف استثنائية، وقوانين ليست بأقل منها، وعوائد اقتصادية هي أقل ما نتمناه، ونحلم به لتأمين المطلوب..!

واليوم لهذا السبب وغيره يفرض حتمية المراجعة لكل الإجراءات والقوانين التي تكفل تسهيل إعادة الإعمار “وليس تعقيدها ” ويشجع عودة رأس المال البشري قبل النقدي، ويؤمن مقومات العلاج والتعافي “الكافي والوافي” وتكون بداياته في التخطيط الواضح لاستثمار الموارد البشرية التي استبعد الكثير منها خلال الأزمة، وسط فوضى الانعكاسات الاجتماعية، وتأثيرات كثيرها يحمل “السلبية” على البنى التحتية والخدمية، وصولاً للعوائد الاقتصادية والحالة المعيشية المتردية للمواطن، والتي كانت وما زالت الشغل الشاغل للحكومات المتعاقبة خلال المراحل السابقة، إلا أن تحقيقها ما زال دون المستوى المطلوب، وارتباط ذلك بأهم مكونات النجاح الذي لم يستثمر لتحقيق هذه الغاية والذي يكمن في استثمار المكون البشري، بما يحمله من خبرات وكفاءات علمية وعملية مكتسبة عبر مراحل، ودفع غالبيتها للهجرة، وكثير منها مايزال في مكاتب الإدارات والوزارة بحجج مختلفة، أخطرها “العقوبات الإدارية” نذكر على سبيل المثال “خبرة مدير لعقود من الزمن، عقوبة إنذار تبعده عن المناصب القيادية، وهذه العقوبة لا تتعلق بالمال العام وهدره، ولا خسارات وفوات منافع اقتصادية، وإنما اجتهاد في العمل، أو هفوات إدارية لا تحمل الضرر في المصلحة العامة..!

والأخطر من هذا وذاك في عمليات الاستبعاد النظرة الضيقة في العمل، واستبعاد الخبرة، فلا ينظر إلى نتائجها الإيجابية، وعوائدها الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، بل ينظر إلى جزئية العقوبة من هذا الكل ويبنى عليها قصص وروايات يستخدمها أصحاب الرأي والمشورة، لاستكمال إقصاء أهل الخبرة، متجاهلين أهم قواعد العمل” الذي يعمل يخطئ” لكن علينا النظر إلى بواعث ومسببات هذا الخطأ، وإعطاء الحكم الذي يحفظ خبراتنا وكفاءاتنا من الضياع..!

ومن يريد التأكد يستطيع بأقل الجهد، الحصول على كم هائل من الشواهد، لأن مكاتب الجهات العامة تغص بها، وهي مستبعدة لأسباب قد لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه..!

والسؤال هنا ألا تستحق هذه الخبرات القليل من التفكير وإنصافها وفق القانون..؟

إعادة الإعمار الصحيحة تبدأ من هنا، وأي حديث عنها محكوم بالشلل والفشل، مهما كانت نتائجه، لأن أغلبية خبراتنا معطلة، تحكمها فلسفة استبعاد، قراراتها لا تحمل من المصداقية سوى حبرها المكتوبة به..!

وهذه مشكلة تحتاج لحل جذري، فهل نمتلك مقوماته حالياً، أم ننتظر لفك لغز استبعاد الخبرات والكفاءات عن مواقع الإدارة..؟!

Issa.samy68@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار