«البكالوريا» تكلف عشرات الملايين.. والعين على الطب والصيدلة والهندسات… وخبير اجتماعي يحذّر من مغبّة تحوّل التعليم إلى تجارة

دمشق – زهير المحمد:

مازالت العملية التعليمية على حالها الذي يعرفه معظمنا منذ عقود، والقائمة على أن الشهادة الثانوية “البكالوريا”، هي الفيصل الذي يحدد مصير الطالب وأهله، وذلك رغم الانتقادات المتواصلة من قبل الاختصاصيين التربويين الذين يؤكدون أن هذا الأسلوب أكل عليه الدهر وشرب، ما يسبب هدراً في طاقات شبابنا، ويرهق الطلاب، وينشر الأمراض النفسية والجسدية لدى ذويهم، الذين يعتبرون الطب والهندسة الشهادتين اللتين تحققان لهم “البريستيح” في المجتمع.

وهذا ما يسبب استنفاراً مادياً ومعنوياً يبدأ مباشرة بعد نهاية مرحلة الحادي عشر، وأحياناً كثيرة يبدأ من الحادي عشر الاستعداد للبكالوريا خاصة للطلاب الذين يطمحون للحصول على معدل يؤهلهم لدخول أحد الفروع الجامعية المميزة.

وما يزيد في سعير هذه “الحرب” هو ارتفاع التكاليف بشكل مروع، حيث إن الخيارات تفرض على الأهل تقديم كل ما يلزم لتجنب إعادة الكرة ثانية، والتمكن من حجز مقعد مناسب في الجامعات الحكومية بعدما أصبحت تكاليف الجامعات الخاصة ضرباً من الخيال.

تكاليف باهظة
يقول يوسف محمد وليّ طالب البكالوريا العلمي يزن، إن التعليم تحول إلى تجارة، وأصبحت الدروس الخصوصية والمتابعات هي الأساس، وهذا ليس حكراً على طلاب “البكالوريا” بل ينطبق على جميع المراحل الابتدائية.
وعن التكاليف التي دفعها لهذه المرحلة أوضح إنه ككل الأهالي يسعى لأن يكون ابنه طبيباً، أو مهندساً في أسوأ الأحوال، ولأن حالته المادية متواضعة، سجل ابنه ضمن مجموعات حيث تصبح التكاليف أقل، ولكن مع هذا دفع ما يقارب المليون ليرة، وهذا رقم كبير جداً بالنسبة له ولظروفه، في حيث هذا المبلغ يصبح تكاليف شهر واحد بالنسبة للعائلات التي تريد دورات بشروط أفضل.

بينما يقدر والد الطالب أحمد كلفة الدروس الخصوصية بمبلغ لا يقل عن 6 ملايين ليرة، أي ما يعادل راتبه كموظف حكومي لمدة عامين تقريباً!
وأن عليه تأمين هذا المبلغ ولو باع أعضاء من جسده كما قال، وسط جو من السعي المحموم للخروج بأفضل النتائج لمستقبل الأبناء.

بالمقابل هنالك حالات رغم أنها قليلة جداً لطلاب لا يستطيع أهاليهم الإنفاق على دروسهم الخصوصية، ويتحضر طلاب هذه الشريحة للاعتماد على ما يتم تقديمه في المدرسة رغم إن أكثر المدرسين يدخرون طاقاتهم للدروس الخصوصية وليس للحصة الدرسية في المدرسة.
أم محمد موظفة حكومية هي وزوجها، وهما ممن لا يمكنهم الدفع على الدروس الخصوصية، تقول إن ابنتها تأقلمت مع الواقع وقرأت بجد منذ بداية العام.
أضافت الوالدة أنها على استعداد لبيع قطعة الذهب الوحيدة في بيتها وهي خاتم زواجها في حال احتاجت لجلسات ما قبل الامتحان.

الطب كحلم أول
يوضح الأستاذ طارق، مدرس لمادة الرياضيات، أنه ترك التعليم في المدارس الحكومية، ويدرس حالياً في مدرسة خاصة، يمكن وصفها بأنها لأبناء الطبقة المخملية، حيث تبلغ رسوم التسجيل للطالب الواحد 50 مليون ليرة سنوياً، هذا عدا عن تكاليف النقل واللباس والكتب ورسوم بعض الأنشطة خلال العام الدراسي، ليصبح المبلغ أكثر من 70 مليون ليرة.
ولفت إلى أن هذا ليس كل شيء، بل إن الكثير من أهالي الطلاب يطلبون دروساً خصوصية في المنازل أيضاً، لضمان حصول أبنائهم على ما يؤهلهم دخول كلية الطب كحلم أول.

تحذير
وفي محاولة لتشخيص واقع الضغط الذي يعيشه الطلاب وأهاليهم مع البكالوريا حذر المرشد الاجتماعي أحمد محمود من مغبة أن يتحول التعليم إلى تجارة، مشيراً إلى أن نسبة لا بئس فيها من المجتمع السوري مصابة بمرض شهادات الطب والصيدلة والهندسات، منذ زمن طويل، لأنها تضمن المقام الرفيع للعائلة بين الناس، وكذلك هناك أبناء الأغنياء الذين يملكون كل شيء مادياً، وما يحتاجونه فقط هو استكمال البريستيج بالحصول على شهادات جامعية، وأحياناً شهادات عليا، ليضعوها في مكاتبهم ومعاملهم، ويدفعون في سبيل ذلك مبالغ طائلة.
ولم يخف المحمود أن الوضع الاقتصادي الصعب وكذلك موضوع ارتفاع ساعات تقنين الكهرباء والذي يحرم نسبة كبيرة من التلاميذ من القدرة على القراءة ليلاً يجعل إكمال الدراسة ضرباً من الخيال، فهناك عائلات لا يمكنها أن تؤمن أدنى المستلزمات لأبنائها حتى يدرسوا، وتضطر لإدخال قسم منهم إلى سوق العمل، ليكمل الباقون.
ولفت إلى أن هناك عدداً من الجيل الحالي لم يعد يؤمن بالدراسة فهو يراقب وضع الأجيال التي سبقته وتعلمت، وهي الآن غير قادرة على تأمين حياة كريمة لأسرها، لذلك يفضل الاتجاه نحو سوق العمل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار